ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي
(موقف حدث أمامي وأثّر فيّ، فتكلمت بلسان ذلك الأب الحاني وفتح الله عليّ بهذه الكلمات، فقلت متوكلًا على من إليه الرُجعى والمآب، وله الحكم والحساب)
أنصح نفسي أولًا قبل أي أحد، وكل من يقرأ ما خطه قلمي وجاش به صدري.
ولدي الحبيب،
امتثِل قولي واستمع نصحي،
ربما تنزعج من نصائحي، ولكن ليس كانزعاجي وخشيتي عليك، أرأيت لو أن أحدهم يهوي أمامك في مكان سحيق، أوَلست تنقذه؟ كيف إذا كان هذا الذي يهوي هو ولدك الذي هو من صلبك وسندك وظهرك وربما يكون بكرك؟
يا ولدي، كن قريباً مني، فأنا قريب منك فلا تغضبني فإني أستحي أن أمدّ يدي عليك.
واعلَم أن الأصحاب يأتون ويذهبون وقد لا يبقون معك إلى النهاية، بل في وقت الغواية وربما لغاية، إلا الصلحاء منهم والأوفياء، بل ولا يحرصون عليك كحرص والدك عليك، تذكّر بأن لك أبٌ يحبك ويخشى عليك، وكم حملك وأنت طفل صغير وأشفق عليك، فهو لا يطلب منك المقابل، بل يتذكر حرص والده هو من قبل عليه، ويسعى لرد الجميل بالدعاء له والتصدق عنه والبذل، وتذكر المعروف والفضل، وستعرف معنى كلامي هذا عندما تكبر ويكون لك طفلٌ تخشى عليه كما أخشى أنا الآن عليك.
يا ولدي، عليك بالأخلاق وكن إليها مسارعاً وسبّاقاً، واحذر من سوء السلوك فإنه ليس بهدي الأنبياء ولا سمت الملوك.
يا ولدي، لازم الأذكار واتخذ من العلم شعاراً، واقتفِ أثر المختار تكن من الأبرار، وتفوز بخير دار. وتذكّر بأن النهاية تكون إما إلى الجنة وإما إلى النار.
يا ولدي، لن تجد كوالدك ناصحاً ومعيناً، وتذكّر بأنه كان يصحبك إلى المساجد لتنال شرف الصلاة بها والذِّكر وتقلّبك في كل راكع وساجد.
يا ولدي، اجتنب رفقاء السوء فإنهم السم الزعاف، وطريق الهلاك الذي عليك منه أخشى وأخاف.
يا ولدي، لا تأخذك النزوات فتنام عن الصلوات، وإياك وذنوب الخلوات، فإن الله مُطّلع عليك فلا تجعله أهون الناظرين إليك، فهو من يأمر بكتابة الحسنات ويعفو عن السيئات، ولا تنسَ الكرام الكاتبين الذين يعلمون ما نفعل جميعاً بأمر من الله ذو النعمة والهبات.
يا ولدي، من لم يزد شيئاً في الحياة، كان هو بنفسه زيادة على الحياة، واحذر أن تقترف سوءً أو أن تجرّه بنفسك إلى غيرك، فالمرء مرهون بعمله ومسؤول عن سيئاته قبل حسناته.
ولا تقل أني عملت وتأتي يوم القيامة كأنك لم تعمل وتفلس من كل ذلك، وتذكّر أن الوزر الذي منك هو عليك، وإن عمل به غيرك كذلك تنوء بحمله إلى يوم القيامة، فيتضاعف الذنب عليك، فراقب الله واخشاه واتّقه.
يا ولدي، عِش حياتك لله وأطع والديك، فأنت لم تُخلق عبثاً ولم تُترك هملا، وإنما خُلقت لغاية عظمى وهي العبادة.
يا ولدي، لا تسخر من أحد فيسلط الله عليك من يسخر منك كما تسخر أنت من غيرك، ولا تترك ألماً في صدر غيرك، وحسرة أنت سببها فتزيد من همومه وجروحه، فيشتكيك إلى الله، واحذر أن يكون لك خُصماء عند الله، فإن الله لا يظلم أحداً أبداً، وقد أحصى لك أعمالك كلها فأيّ الأعمال تنكر وقد أشهد الله عليك كل شيء، وقد خلقك فكيف يخفى عليه أمرك وسرك وعلانيتك وهو يعلم السر وأخفى.
يا ولدي، لستُ أخلص من النبي إبراهيم الخليل حينما صّدق الرؤيا وقرر ذبح ولده النبي إسماعيل عليهما السلام، ولكني أذكّرك ببرِّ النبي إسماعيل بوالده وامتثاله لأمر ربه إذ قال لأبيه: يا أبت افعل ما تؤمر، فضرب بذلك مثلاً رائعاً للبر والصبر، ولستُ أحكم من لقمان الحكيم حينما وعظ ابنه وذُكرت جميع هذه البراهين في القرآن المبين فصدق الله رب العالمين وأحكم الأحكمين.
يا ولدي، الرفيق الصالح كالمصباح ينير لك الدروب، والرفيق السوء لا يوصلك إلا إلى المهالك وفساد القلوب، ومن فسد قلبه ساء عمله، وارجع لكتاب الله العزيز وسنّة رسوله الكريم، تجد ذلك عن الجليس الصالح والجليس السوء وما الذي تجنيه من كل واحد منهما.
يا ولدي، لا تستعن بنعمة أنعم الله بها عليك في معصيته فإن الله أقرب إليك من حبل الوريد، ولا تتمادى في الذنب وتسوّف، وتذكّر أن جهنم تقول: هل من مزيد؟
يا ولدي، احترم أساتذتك ومعلميك لأنهم يحملون أشرف رسالة وأعظم قربة لله ألا وهي العلم والتعليم، ولا تنسَ أن معلم البشرية الأول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان خير تلميذٍ وأعظم مُعلم، فقد علمه ربه وأدبه، فأمر جبريل الأمين عليه السلام بتلقينه القرآن المبين ليكون هداية ونوراً للعالمين.
