تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

ماذا لوكانت الإدارة إنساناً ؟ .. ( الجزء الأول )

   غزلان بنت علي البلوشية

ماذا لو كانت الإدارة إنسانًا؟ تخيل أنك تعمل في بيئة تتحدث فيها الإدارة بلغتك، تفهم مشاعرك، وتتفاعل معك كصديق وزميل. هذا التصور الخيالي يحمل في طياته عمقًا فلسفيًا وعمليًا يمكن أن يغير الطريقة التي نتعامل بها مع الإدارة في حياتنا اليومية. فالإنسانية ليست مجرد سمة نرغب بها في علاقاتنا الشخصية فقط، بل هي عنصر أساسي يجب أن يتجسد في كل جوانب حياتنا العملية.

الإدارة هي العمود الفقري لأي منظمة، ومن خلال تصورها كإنسان، يمكننا أن نلقي الضوء على جوانبها المختلفة التي قد نغفل عنها في التعامل التقليدي. هذا المفهوم يساعدنا على فهم الإدارة ككيان حي يتفاعل ويؤثر ويتأثر، مما يعزز من قدراتنا على تحسين بيئة العمل وجعلها أكثر إنسانية وداعمة. فكر في إدارة تتسم بالحكمة والعدل، تتواصل بشفافية وتستمع لموظفيها، تدعم التطور الشخصي والمهني وتواجه التحديات بأخلاقيات عالية. أليس هذا ما نطمح إليه جميعاً؟

التفكير في الإدارة كإنسان ليس مجرد تمرين فكري، بل هو ضرورة عملية تساهم في تحسين الأداء العام للمنظمات. عندما ننظر إلى الإدارة من هذا المنظور، نفهم أن الإدارة ليست مجرد نظام من القواعد والإجراءات، بل هي شبكة من العلاقات الإنسانية التي تتطلب الاهتمام والرعاية. هذا المفهوم يعزز من قدرتنا على بناء بيئات عمل تعزز الابتكار والتعاون والرضا الوظيفي.

من خلال تبني هذا النهج، يمكننا أن نخلق مناخاً يتيح للموظفين الشعور بالانتماء والتقدير، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل. إدارة إنسانية هي إدارةٌ قادرةٌ على فهم وتحليل احتياجات الموظفين وتقديم الدعم اللازم لهم لتحقيق النجاح الشخصي والمهني.

بهذا المفهوم الجديد، نعيد تعريف الإدارة ليس كسلطة عليا تفرض القرارات، بل (كقائد) يوجه ويرشد ويدعم. هذه الإدارة الإنسانية هي ما نسعى لتحقيقه، وهي ما يمكن أن يحقق فرقاً جوهرياً في حياتنا المهنية.

الشخصية والسمات الإنسانية للإدارة

إن تصور الإدارة كإنسان يحمل في طياته تصوراً لسمات شخصية يمكن أن تجعلها أقرب وأكثر فهماً للموظفين. كيف يمكن أن تكون الإدارة ذات شخصية؟ هنا تتجلى الحكمة كواحدة من أبرز السمات، حيث تُعتبر الإدارة الحكيمة هي تلك التي تمتلك القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في الأوقات الحرجة، وتستند في قراراتها إلى خبرات متراكمة ومعرفة عميقة. الحكمة تمنح الإدارة رؤية شاملة تمكنها من توجيه المنظمة نحو النجاح بتأنٍ وتدبر.

أما الحزم، فهو السمة التي تجسد القدرة على التمسك بالمواقف واتخاذ القرارات الضرورية دون تردد. الإدارة الحازمة تفرض احترامها وتضمن سير العمل بانضباط ودقة، مما يعزز من مصداقيتها وكفاءتها. الحزم هنا لا يعني الصرامة المطلقة، بل هو توازن دقيق بين الصرامة والمرونة، يمكن الإدارة من تحقيق أهدافها دون إغفال الجانب الإنساني.

والعدل هو السمة التي لا غنى عنها. الإدارة العادلة هي التي تساوي بين الجميع، تعامل الموظفين بمساواة وتنصفهم دون محاباة أو تمييز. العدل يعزز من ثقة الموظفين في إدارتهم، ويخلق بيئة عمل يسودها الاحترام والتقدير المتبادل، مما يزيد من ولائهم وإنتاجيتهم.

العواطف

العواطف هي العنصر الذي يضفي على الإدارة بُعداً إنسانيًا لا يُضاهى. كيف يمكن أن تكون الإدارة متعاطفة مع الموظفين؟ الإدارة المتعاطفة هي تلك التي تتفهم مشاعر موظفيها وتتعامل معها بحساسية واحترام. عندما تواجه الإدارة موظفًا يعاني من ضغوط العمل أو مشكلات شخصية، فإن التعاطف يظهر من خلال الاستماع الفعّال وتقديم الدعم اللازم.

الإدارة يمكن أن تعبر عن دعمها وتشجيعها بطرق متعددة، منها تقديم المساعدة العملية، مثل تعديل جداول العمل لتناسب احتياجات الموظف، أو تقديم استشارات مهنية وشخصية. يمكن أيضاً أن تظهر الإدارة تعاطفها من خلال كلمات التشجيع والتحفيز، والاحتفاء بالإنجازات، مهما كانت صغيرة.

عندما تتعاطف الإدارة مع موظفيها، فإنها تبني علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، مما يخلق جواً من الانتماء والالتزام. الإدارة المتعاطفة تُشعر الموظفين بأنهم ليسو مجرد أرقام في قائمة الحضور، بل أفراد ذو قيمة ومساهمة فاعلة في تحقيق أهداف المنظمة. هذا النوع من الإدارة يعزز من الروح المعنوية ويحفز على الابتكار والإبداع.

التفاعل والعلاقات

الإدارة التي تفتقر إلى التركيز على بناء العلاقات مع الموظفين تشبه الآلة التي تهتم فقط بالنتائج دون النظر إلى الروح الإنسانية التي تعمل بداخلها. هذه الإدارة تعاني من برود العلاقة بينها وبين موظفيها، مما يؤدي إلى شعور الموظفين بالانعزال وعدم التقدير. بيئة العمل تصبح متوترة وغير منتجة، حيث يشعر الموظفون بأنهم مجرد أدوات لتحقيق أهداف المنظمة، مما يقلل من ولائهم وانتمائهم.

على النقيض، الإدارة التي تركز على بناء علاقات قوية مع الموظفين تعتمد على أسس التواصل الإنساني والاحترام المتبادل. مثلما يبني الإنسان علاقاته الشخصية على الثقة والصداقة، تسعى الإدارة إلى فهم احتياجات موظفيها ومشاعرهم، وتعمل على توفير الدعم اللازم لهم. هذه الإدارة تنظم فعاليات اجتماعية، تشجع على العمل الجماعي، وتحتفي بالإنجازات الفردية والجماعية. هذه العلاقات القوية تخلق بيئة عمل متجانسة، حيث يشعر الموظفون بالانتماء والتحفيز للعمل بجدية وإبداع.

التواصل

التواصل الفعّال هو الشريان الذي يغذي العلاقات في بيئة العمل. الإدارة التي تتجاهل أهمية التواصل الفعّال تكون كالآلة التي تعمل بدون توجيه دقيق، مما يؤدي إلى سوء الفهم وظهور المشكلات دون حل. عدم الشفافية في التواصل يخلق جوًا من الشك وانعدام الثقة، حيث يشعر الموظفون بأنهم غير مدركين للأهداف والأولويات، مما يؤدي إلى تراجع الأداء والإنتاجية.

في المقابل، الإدارة التي تستمع وتتحدث بشفافية تشبه الإنسان الحكيم الذي يُقدّر قيمة الحوار البناء. هذه الإدارة تخصص وقتًا للاستماع إلى موظفيها، تتفهم تحدياتهم وتقدم التوجيهات اللازمة بوضوح وصراحة. التواصل الشفاف يعزز من ثقة الموظفين في إدارتهم، حيث يشعرون بأنهم جزء من الفريق وأن أفكارهم وآرائهم مهمة. هذا النوع من التواصل يشجع على الابتكار ويحل المشكلات بفعالية، مما يؤدي إلى بيئة عمل مزدهرة ومنتجة.
إدارة تركز فقط على النتائج دون بناء علاقات وتواصل فعال تعاني من بيئة عمل متوترة وغير منتجة. الموظفون في هذه الإدارة يشعرون بأنهم مجرد أدوات لتحقيق الأهداف دون اعتبار لإنسانيتهم واحتياجاتهم العاطفية. نتيجة لذلك، تنتشر مشاعر الإحباط والانعزال بين الموظفين، مما يؤدي إلى تراجع الأداء العام وزيادة معدلات الاستقالات. هذه الإدارة تُشبه الآلة الباردة التي تعمل بلا روح، حيث يتم اتخاذ القرارات دون مشاورة أو تواصل فعّال، مما يخلق فجوة كبيرة بين القيادة والموظفين.

على النقيض، الإدارة التي تهتم ببناء العلاقات والتواصل الفعّال تخلق بيئة عمل متجانسة ومليئة بالثقة والابتكار. هذه الإدارة تُدرك أهمية الاستماع إلى موظفيها وفهم احتياجاتهم وتقديم الدعم اللازم لهم. من خلال التواصل الشفاف والمفتوح، تُعزز الإدارة من ثقة الموظفين وتُشعرهم بأنهم جزء لا يتجزأ من الفريق. هذا النوع من الإدارة يشجع على التعاون والعمل الجماعي، ويحفز الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم.

لا عجب أن تكون الإدارة الناجحة هي تلك التي تحقق التوازن بين التركيز على النتائج وبناء علاقات قوية مع الموظفين. عندما تكون الإدارة إنسانية، تراعي احتياجات موظفيها وتستثمر في تطويرهم، تكون النتائج إيجابية ومثمرة. على العكس، الإدارة التي تُهمل الجانب الإنساني في علاقتها بموظفيها غالباً ما تكون فاشلة، حيث تفتقر إلى الدعم المعنوي والإلهام، مما ينعكس سلبًا على أداء المنظمة بشكل عام.

إذن، نجاح الإدارة أو فشلها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى قدرتها على التواصل الفعّال وبناء علاقات قوية مع موظفيها.

القـيم:

الإدارة التي تتبنى قيمًا إنسانية تجسد جوهر العمل الإداري الفعّال، إذ تكون هذه القيم بمثابة بوصلة توجه جميع القرارات والأفعال. من بين القيم الأساسية التي يمكن أن تتبناها الإدارة:
1- النزاهة: النزاهة هي حجر الزاوية في أي إدارة ناجحة. عندما تلتزم الإدارة بالصدق والشفافية في تعاملاتها، فإنها تبني ثقة قوية مع الموظفين. يقول ستيف جوبز: “النزاهة هي أن تفعل الشيء الصحيح، حتى عندما لا يكون هناك من يشاهد”. 2- الاحترام:
الإدارة التي تحترم موظفيها وتعترف بمساهماتهم تعزز من روح التعاون والعمل الجماعي.
يقول عالم النفس الشهير أبراهام ماسلو: “الإحترام هو العامل الأهم لخلق بيئة عمل صحية ومنتجة”.3-المسؤولية: تحمل المسؤولية يعزز من ثقة الموظفين في الإدارة ويحفزهم على تقديم أفضل ما لديهم.4-العدالة: تطبيق العدالة في جميع التعاملات الإدارية يعزز من الشعور بالإنصاف والمساواة بين الموظفين.كما يقول بيتر دراكر” العدالة هي أساس النجاح المستدام في الإدارة”.

الأخلاقيات:
التحديات الأخلاقية جزء لا يتجزأ من العمل الإداري، والإدارة الفعّالة هي التي تتعامل مع هذه التحديات بحكمة ورؤية. كيفية تعامل الإدارة مع التحديات الأخلاقية واتخاذ القرارات الصائبة يمكن أن يكون له تأثير كبير على بيئة العمل:1-اتخاذ القرارات الصائبة : الإدارة الحكيمة تتخذ قراراتها بناءً على مبادئ أخلاقية واضحة، مراعيةً التأثيرات المحتملة على جميع الأطراف المعنية. يقول وارن بافت: “يتعين على الإدارة الجيدة أن تكون مستعدة لاتخاذ قرارات قد تكون صعبة، لكنها صحيحة أخلاقياً”.2- الشفافية في مواجهة الأخطاء :إن الإعتراف بالخطأ والعمل على تصحيحه يعزز من ثقة الموظفين إلتزام الإدارة بالأخلاقيات. كما يقول جون سي. ماكسويل: “القيادة الحقيقية تظهر في كيفية التعامل مع الأخطاء وتحويلها إلى فرص للتعلم والتحسين”.3 -التوازن بين المصلحة العامة والفردية: هذا التوازن يخلق بيئة عمل مستقرة ومثمرة. يقول هنري فايول: “الإدارة الناجحة هي تلك التي توازن بين المصلحة العامة والفردية بطريقة عادلة ومستدامة”.
القيم والأخلاقيات في الإدارة ليست مجرد شعارات، بل هي أساسٌ لتحقيق بيئة عمل صحية ومنتجة. تبني الإدارة لقيم النزاهة، الاحترام، المسؤولية، والعدالة، يعزز من ثقة الموظفين ويحفزهم على تقديم أفضل ما لديهم. كما أن التعامل بحكمة وشفافية مع التحديات الأخلاقية يسهم في بناء ثقافة عمل قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، مما ينعكس إيجاباً على الأداء العام للمنظمة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights