٤) نزهة الحروف…
خلفان بن ناصر الرواحي
حرف (ج):
جادت قريحتنا في الكتابة لنخوض غمار التجربة، نفتش بين أناملنا عن أسرار الحروف العربية، نربطها مع مجريات حياتنا اليومية حينا، أو حينا آخر مع ذواتنا في ساعة خلوة، أو عند ساعة صفاء ذهني؛ حتى نشكل منها صورة أدبية جديدة بالنسبة إلينا.
إنَّ حرف (ج) كغيره من الحروف التي سبقته يعني لنا الكثير من المعاني والقراءات؛ فهو بداية لكلمة (جراءة)، وهي نقطة مهمة للغاية بالنسبة لنا في حياتنا العامة والخاصة؛ حيث نحتاج أن نفهم كيف نتعامل ونقبل التحدي لمواجهة المواقف، كما أن أي تجربة تتطلب منا الجراءة لخوض غمار التجربة، وعدم التردد والخوف من المستقبل. نعم، قد نحتاج أن نفهم الأمور جيدا ولا نتعجل فيها، ولكن علينا أن نستحضر معنى الجراءة في كل موقف.
بالإضافة لذلك؛ فلو ربطنا حرف (ج) لما قبله من الحروف؛ لوجدنا عدة كلمات مختلفة تتشكل في عدة معان، ومنها (ثَبج)؛ حيث جاء في معجم لسان العرب لابن منظور [مادة ثبج: 7/3]: (ثَبَجُ كلِّ شيء: مُعْظَمُهُ ووَسَطُهُ وأَعلاه، والجمع أَثْباج وثُبُوجٌ). وكذلك منها أيضا كلمة (الثجاج)، فنقول، مَاءٌ ثَجَّاجٌ: مَاءٌ شَدِيدُ الاِنْصِبَابِ.
وهكذا نرى أن حرف (ج) ليس محصورا في معنى بعينه، وإنما تجده إما في مقدمة الكلمة وإما وسطها وإما آخرها وغير ذلك من المواضع الأخرى، وكذلك حالنا نحن بني البشر؛ علينا أن ننظر في كل موقف وأمر أين علينا أن نكون، فغالبا ما يقال: ” إنّ خير الأمور أوسطها”، ويقال: “لكلِّ مسألة جواب”، ونرى حرف (ج) في مقدمة كلمة “جواب”، ونراها في نهاية كلمة “الثجاج”، وكلا الكلمتين لهما دلالة معنوية وحسية في نفوسنا قبل أن نختار موضعها في أي مقام ومقال!
حرف (ح):
أضممنا حرف (ح) حُبًّا تجاه المعنى الذي نريده له، وفتحناه حَنينا، وكسرناه حِفظًا لتناسق الألفاظ مع المعاني التي نسعى إلى تحقيقها من استقرائنا لهذا الحرف (ح)، وصولاً إلى مبتغانا الذي نراه من منظورنا الشخصي؛ ليجد طريقه مع باقي الحروف السابقة واللاحقة.
فلو أردنا ربطه كسابقاته من الحروف مع ما قبله لتولّدت عدة كلمات أيضا، لها معان مختلفة نكيّفها مع بعضها بعضا مع مجريات الحياة. فعلى سبيل المثال؛ نجد الكلمات التالية (حبَّ، أحبَّ، حبّب، حَجَبَ، حثّ). فلو تمعنا هذه الكلمات وحدها وجدنا أنفسنا أمام خيارين مختلفين وخاصة بين كلمتي (حبّبَ و حَجَبَ)، ومما لا شك فيه أنّ خيارنا الأول ستكون الكلمة الأولى (حبّبَ)؛ وذلك لما لها من أثر طيّب في قلوبنا والآخرين.
فكهذا علينا جميعا أن نكون أكثر وعيا في اختيار وقراءة ونطق الكلمات الطيبة؛ لتكون باقية كالشجرة الثابتة الأصل وفرعها في السماء.
ولنا في هذه النزهة تتمة…