مقال : أطياف ليلة عيد
مهنا بن صالح اللمكي
يعاتبه البعض كونهُ طيب على نياته، ليس ذنبه إلا أن وُلد بهذا النقاء وسط قلوبٍ مُظلمةٍ.
بعد يومٍ شاقٍ لتوفير احتياجاتِ العيد لجأتٌ للفراشِ وقد نالني التعب والإرهاق، وماهي إلا برهةً من الوقتِ لأجدَ نفسي أُطارد طِفلاً كان يحمل اسمي ومازلت أحمل أعباءَه.
في غرفتهِ الصغيرة في منزلهم الطيني كان يحتفظ بملابس العيد، حيث أن الجديد في ذلك الزمان له طعم آخر يختلف عن زماننا، لأنهُ لا يُرى إلا مرتين في العام أو ثلاث إذا أضفنا بداية العام الدراسي.
يشقُ ذلك الطفلُ طريقه مع بداية بزوغ الفجر وقد لبس الجديد يسابق نور الصباح، ويُحلِقُ قبل العصافير لفرحة طال انتظارها، وفي قريته الصغيرة يجتمع مع أقرانه الصغار لانتظار أن توزع لهم العيدية التي تتفتح لها أياديهم الصغيرة وهي مخضبة بالحناءِ كأنها زهور عطرية في بداية الصباح، يجمعون ما يجود به أهل الخير حيث ينثر البهجة بعطاء غير محدود طيلة أيام العيد السعيد، بعدها يتوجهون برفقة الكبار من أهل القرية للمخرج(مكان بيع الألعاب) ومصلى العيد، حيث كان مكان البيع عبارة عن وادٍ من الحجارة،و رغم قسوة هذه الحجارة تتحول لقطائف وردٍ تُقبِل تلك الأقدام الصغيرة وتُقبل أقدام العابرين للصلاة. مصلى العيد بجانب القلعة يستقبل تكبيرات وتسبيح المصلين مرتين كل عام ثم يسدل الستار وتدوي المدافع من أبراجِ القلعة الشامخة إبتهاجا بذلك اليوم السعيد، وفي تلك اللحظة أيقظني منبه الهاتف النقال لأتذكرَ بأنني لم أعد ذلك الطفل فنعيتُ نفسي .
وفي صبيحة كل عيدٍ أجدُ تلك الذكريات تسير معي في الدرب إلى صلاة العيد واقفًا عند كل ليمونة سُقيت بماء الفلج محبةً وحياءً لأشم رائحة الأمس بين زهورها، حيث أصبح العيد كطائر بهي الشكل والمنظر لكنه في صوته ترانيم شوق وحنين لماض قد رحل، أنظر لتلك الذكريات كطيف عابر من الخيال. ذهبت تلك الصور في صباحات العيد بإطاراتها الزاهية، وليس بوسعنا إعادة المصور إلى وضعه السابق فقد تعطلت آلة التصوير، وبقيت الصور مختزلة في الذاكرة.