2024
Adsense
مقالات صحفية

جريمة وعسس- الجزء الأول

خميس بن محسن البادي

يتسارع بالمرء تقادم الأيام في الحياة الدنيا، ليجد نفسه غدا وقد شبّ وكبر بعد أن كان بالأمس القريب ابن غض بالكاد يخطو أولى خطواته نحو شق طريقه على كوكب البسيطة الفانية إلى حيث يجهل ولا يعلم ما تخبئه له الأقدار بمرور الزمن من سني عمره.

فهذا (شهم) قد صار رجلا، وأضحى موظفا بمنصب مرموق في قطاع عام من قطاعات الدولة يخدم من موقعه هذا بلده ومجتمعه، ليرد بدوره الآن ولو جزءا من الجميل إلى هذا البلد الذي احتضنه وأوصله إلى ما هو عليه اليوم، وفي الوقت ذاته تدر وظيفته هذه عليه دخلا جيدا، كونه تعلم تعليما عاليا راقيا مكّنه من تبوء موقعه الوظيفي هذا، وهو الآن في طور البحث لنفسه عمن تشاركه باقي أيام العمر، وقد صال وجال بحثا عن أنثاه التي يرتضي بها لتكون ردءا له كأم مستقبلية لذريته أمينة مخلصة متفانية في شئون بيتها وأفراد أسرتها، دون نظره إلى كونها امرأة عاملة أم لا، فهو لا يحب أن يكون بابا موصدا في مستقبل ودور وعطاء المرأة في المجتمع لإدراكه بأهمية تشغيل قدراتها العملية خدمة للبلد والمجتمع مقابل ما تلقته من التعليم وما اكتسبته من العلم والمعرفة وما حظيت به من الدعم الأسري والاجتماعي بغية الوصول بها وعلمها إلى ما تفيد بها الوطن والمجتمع.

وبعد بحث ربما كان مضنيا بالنسبة له ها هو أخيرا يجد زوجه المنشودة التي ترضى به بعلا لها ويرضى هو بها، إنها(نغم)، الماربّة فارعة الطول، مياسة القد والخريجة الجامعية التي تعمل في إحدى القطاعات الأهلية بمنصب رفيع هي الأخرى في مجال التنمية الإنتاجية، والأديبة المثقفة التي ألفت بعض الإصدارات الأدبية المتداولة في المكتبات وبين فئات المجتمع، والمنتمية لأسرة طيبة ومحترمة، وبذلك وبعد أن اتفقت أسرتاهما على زواجهما أصبح الاثنان يسابقان الزمن متضامنين في حين، وكل على سجيته في أحيان أخرى؛ وذلك للإعداد بالانتقال للحياة المشتركة بينهما التي ينتظر أن تجمعهما في منزل واحد كزوجين والعيش المشترك معا فيه، فأعدا كل ما للأمر من صلة بما يجعل حياتهما الجديدة مثل بقية الأزواج المستقلين بحياتهم المشتركة، وها هما ينهيان هذه التجهيزات والإعدادات ويتحدد موعد العرس ويوجها دعوات لحضور حفل الزفاف.

وبعد حفل العرس والزفاف الذي حضره لفيف من الأهل والأصدقاء والمعارف لكلا العروسين وأهلهما، ودع بذلك كل منهما حياة الانفراد ليبدآ حياة الاشتراك، والحياة الزوجية مليئة لا شك بالمفارقات المختلفة، فهي بالطبع ليست حلوة كل يوم كما هي ليست مُرّة دائما، ولكن التفاهم واحترام كل منهما الآخر لا شك أنه سيمضي بسفينة عمر هذا الزواج إلى مراسي ومرافئ الاستقرار وراحة البال المنشوديْن، وفرحة بهذا المشروع في حياة كليهما فقد جابا بعض بلدان العالم بغرض السياحة والاستجمام والاستمتاع؛ حيث قضيا أمتع الأيام وأحلاها، واطلعا على أهم المعالم والمواقع السياحية للبلدان التي زاراها، وتعرفا على بعض العادات والتقاليد لشعوبها، ليعودا إلى الوطن بعد ذلك وهما في قمة السعادة والنشاط ليبدآ حياة جديدة مشتركة مفعمة بالحيوية والنشاط والعطاء ويباشر كل منهما عمله في موقعه.

و في خضم روتين واجبات العمل وتلبية احتياجاتهما الخاصة بهما شخصيا وبأسرتيهما، وجدا نفسيهما وقد كادا أن ينسيا أنهما شابان ولهما الحق بالاستمتاع أكثر بحياتهما معا لا سيما وأنهما ما زالا حديثي العهد بالزواج وفي بداية حياتهما، فلم يكن من شهم إلا أن فاجأ زوجه خلال إجازة نهاية الأسبوع بسهرة خلوية بعيدة تخلو من المارة والمزعجين، فاختار المكان الذي رآه أنه المناسب لخلوتهما، في ليلة نوفمبرية جميلة، فالقمر في مرحلة (الأحدب المتزايد) وقد بدأ بالأفول ونسمات ليل هادئة ليست زمهريرا إنما نسمات تنم عن روعة المكان وجمال الطبيعة ونقاء الهواء الطلق، تلفح بدغدغات ناعمة وجنات الخدود وتثلج أرانب الأنوف، وتسري في الأجساد قشعريرة تبرهن على برودة المناخ، وتذكر بماضٍ عن سنين كانت على غير ما هو حاضر اليوم من التطور والمدنية، فغاب القمر فاحلولك الظلام فظهرت لآلئ ليل شكلّها البارئ جلت قدرته ليحلو النظر إليها وهي تبعث مجتمعة بضوءٍ خافتٍ جميل، متناثرة في سماءٍ صافية رفعها الخالق القدير من غير عمد، ويصاحب هذا المشهد الخلاب وجود شهم ونغم كزوجين وحبيبين وصديقين معا لا ثالث معهما، ولا مخلوق رقيبٌ عليهما، بعيديْن عن صخب وضوضاء المدينة؛ حيث يحلو السمر في حميمية وخصوصية تامتيْن، يتبادلان أحاديث الغرام، ويحكي كل منهما ذكريات طفولته للآخر، ويطعم كل منهما الآخر بيده من وجبة عشائهما التي انتقاها شهم من أحد المطاعم الشهيرة لتكون على مائدتهما الخلوية لهذه الليلة الخاصة؛ وبذلك فإن واقع الحال تنم بعدم وجود ما يعكر صفو هذه الخلوة، وهذا المكان والمنظر البديع الذي اختاره شهم لهذه الجلسة الخاصة به وزوجه.

لكن هيهات هيهات! من ذلك الهدوء واللحظات الحميمية صافية الأجواء بنقاء قلبي الزوجين الحبيبين، فقد فوجئا بثلاثة من المتسكعين الضالين يقفون بجانبهم فتوجسا منهم خيفة بعد أن بدا لهما أن كلا منهم تلبسه شيطانه، وفي الوقت الذي كان فيه شهم يتحاور معهم أشار لنغم بالجلوس في المركبة وقفل أبوابها، في حين أحاط الثلاثة به يسألونه عما يفعله في المكان وعلاقته بالمرأة التي برفقته، فلم يكن منه إلا أن رد عليهم بأنه في مكان عام وليس لأحد الحق أن يسأله مثل هذه الأسئلة، مؤكدا لهم بأنه رغم ذلك سيجيبهم بأنه وزوجه تواجدا في المكان لتناول وجبة العشاء، لكن ذلك لم يشفع له عندهم، فأمسكه اثنان منهم بينما توجه الثالث إلى المركبة؛ حيث تجلس المرأة داخلها، وفي الوقت الذي كان فيه شهم يتلقى ضربات وركلات الاثنين؛ كانت نغم تقاوم على عدم تمكين الثالث من الوصول إليها، وهو يحاول فتح باب المركبة من الخارج بينما هي تبحث من داخلها عما يمكن استخدامه كسلاح تدافع به عن نفسها، وتحافظ على شرفها من التدنيس والتلويث، وتمنع من ليس له الحق من الاقتراب منها قدر استطاعتها، وحين صعب عليه الأمر بفتحها وهو قد شَبقَ إلى الأنثى الشابة وحال لسانه يقول: لا بد من الوصول إليها تناول حصاة وكسر بها نافذة الباب فأقدم على إدخال يده، وبسرعة بديهة من نغم أمسكت يده بكل ما أوتيت من قوّة وأخذت تدعكها على بقايا الزجاج المتحطم والثابت بموضعه بالباب، فأخذ يصرخ من الألم فهب زميلاه لنجدته، وفي هذه الأثناء تحامل شهم على نفسه والتقط حصاة مدببة ملأت راحة يده بحجمها، وفي غفلة من أولئك المجرمين أخذ ينهال بالضرب بتلكم الحصاة على الثلاثة الواحد تلو الآخر، فسالت منهم الدماء وهم متأثرون بما لحق بهم من جراح ، وانتهز شهم ونغم فرصة ذلك وفرا بمركبتهما من المكان مباشرةً إلى مركز الشرطة، وفي المركز وهما يشرحان لرجل الشرطة الحادثة، كان أثر الإعياء والاعتداء ظاهرا على شهم وهو يحكي قصته للشرطة كان مرمّلاً قانئًا، بينما بدا على زوجه نغم أثر الخوف وهول ما تعرضا له، وقد لحقت بها هي الأخرى إصابة من أحد الجناة في أثناء مقاومتها لهم من داخل المركبة وتمزق عباءتها نتيجة شدها من قبلهم قبيل نجدتها منهم عن طريق بعلها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights