الرحلة المباركة لبلاد الحرمين.. موسم الحج ١٤٤٥هـ
حمود الحارثي
قال تعالى: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }- سورة الحج الآية: (27)، الجزء: (17)، الصفحة: (335).
الحمد لله واجب الشكر له سبحانه وتعالى أن مَنَّ علينا وسخر لنا الأسباب لزيارة الحرمين الشريفين وأداء فريضة الحج في هذا العام.
رحلة تجددت معها الهمم الوقادة والأشواق الروحانية لتلك العرصات الطاهرة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، بعد سنوات من زيارتنا الأخيرة لأداء مناسك العمرة.
وكأي حاج لأول مرة كان للإستعداد والتهيئة النفسية والمعرفية حول أركان الحج المبرور، والبدنية التي تساعد على أداءها نصيب وافر قبل السفر، ولمعايير اختيار الحملة التي تعين كان محور اهتمامٍ بالغ لنا باعتبارها من أساسيات الرحلة الجهادية، بالإضافة للإستماع إلى تجارب العديد من الأصدقاء الذين كان لهم فضل السبق في أداء هذه الفريضة حول كل ما يتعلق بآلية ومعايير اختيار الحملة المناسبة، ومستلزمات الحاج؛ مما ساعدنا كثيرا في حسن الاختيار، وتوفير الاحتياجات المناسبة؛ فلهم منا كل الشكر والتقدير.
وبين هذا وذاك، وقع اختيارنا على حملة “العريمي للحج والعمرة”، بصحبة العم سالم بن خميس العريمي، الذي أكملت حملته في خدمة ضيوف الرحمن في موسم الحج ١٤٤٥هـ عامها الأربعة والأربعون، وكما عرف عن أهالي “صور” بأنهم ربابنة البحار؛ إلا أن العم “سالم” كان ربان متفرد قاد سفينتنا في الرحلة المباركة جوا وبرا برفقة النواخذه “محمد وأحمد أبناء العم سالم ” وعدد من مساعديهم بكل أمانة وإخلاص، وكأني أقرأ ما بين السطور شعار: “تفرغوا لأداء عباداتكم ومناسككم واتركوا لنا حسن التنظيم”، مع الإلتزام التام بما تم الإتفاق عليه بيننا من خدمات دون خلل أو إخلال؛ بل لمسنا جهد فاق التوقعات أستحق معه الإشادة والثناء.
ونظرا للتنظيم المحمود في هذا العام الذي فرضته مشكورة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على حملات نقل الحجاج، والمتمثل في تأسيس شركات تنضوي تحت مظلتها مجموعة من الحملات؛ لذا كانت حملتنا ضمن مجموعة “شركة الركن اليماني” بإدارة “الأستاذ يحيى المعمري” – مدير شركة الركن اليماني للحج والعمرة، وصاحب حملة “يحيىٰ بن بدر المعمري للحج والعمرة”، ولهذا الرجل مواقف كثيرة أنعم به وأكرم، فكان أول من استقبلنا في مطار مسقط الدولي. حيث وجدته شخصية متواضعة ذو همة عالية وافر العطاء يتمتع بخبرة واسعة في هذا المجال، حريص أمين على خدمة ضيوف الرحمن، سعدت برفقته عبر محطات كثيرة في رحلتنا من مسقط إلى المدينة المنورة، وفي زيارتنا لعدد من الأماكن المقدسة بالمدينة وفق جدول منظم وتوقيت دقيق؛ كمسجد قباء، وموقع معركة أحد وجبل الرماة، ومقبرة شهداء أحد، كما استمر عليه الحال من خلال لقاءاتنا في مكة ومخيم منى، ومخيم عرفة، ومكان الإقامة بمكة، إلى أن عدنا بفضل من الله تعالى وتوفيقه إلى أرض الوطن العزيز سلطنة عُمان.
كما يطيب لي أن أسجل كلمة شكر وتقدير للطواقم الطبية، والطبية المساعدة في البعثة العُمانية الطبية بمختلف فئاتهم وتخصصاتهم، مؤكدا على أهمية دورهم، ومدى الحاجة لوجودهم من خلال الخدمات التي يقدمونها للحجاج العُمانيين في ظروف استثنائية جدا.
والشكر موصول لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية لجهودها القائمة على متابعة أحوال الحجاج العمانيين، وتسهيل الإجراءات، وتجهيز مخيمي منى وعرفة لإستقبالهم بكل يسر، والسعي الدؤوب لتوفير سبل الراحة وفق الإمكانيات المتاحة لهم.
“الحج عرفة”، والذي كان لحضور وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في هذا اليوم طابعه الخاص من خلال توحيد الربط السمعي لخطبة يوم عرفة بين مرافق إقامة الحجاج وإذاعة المحاضرات الدينية، وتوجيه الإرشادات، الذي اختتم بإعلان وقت الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة عبر مكبرات الصوت، مع حسن الإستقبال وكرم الضيافة الذي يستشعره الحاج العُماني من لحظة وصوله للمخيم.
وهنا سأتطرق لبعض التوضيح حول: “معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)، والذي يقصد منه في حقيقة الأمر: أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة، فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج، وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع، فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج كالمبيت بمزدلفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والمبيت في منى، ولكن المعنى: أن الوقوف بعرفة لا بد منه في الحج، وإن لم يقف بعرفة فلا حج له؛ ولهذا قال أهل العلم: من فاته الوقوف فاته الحج”.
ختاما من خلال تجربتي الشخصية؛ فإنني أجد بأن مرحلة الشباب هي المرحلة العمرية المناسبة لأداء هذه الفريضة لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، موجها الدعوة الصادقة الأمينة لأبنائنا وبناتنا بالمبادرة لأداءها، وأن يجعلوها في أعلى سلم أولوياتهم لما لها من فضل عظيم، كما أنه لم يحدد أداءها بعمر بقدر الإستطاعة لألا يؤخذ علينا فيما تقدم ذلك.
والله الموفق لكل خير، وهو المستعان.