أنين العزة
عبدالله بن حمدان الفارسي
الصخور تئنّ، لكنها لا تبكي، وأنتِ صخرة العزة يا غزة، الأمواج تهدأ ولكنها لا تموت، وأنتِ بعزكِ أسمى، هكذا هي غزة العزة، رغم الوجع الذي ينهش خاصرتها، إلا أنها ما تزال تقاوم، رغم تساقط الأجنّة البريئة من أحشائها أمام ناظريها، إلا أنها صامدة، غزة العزة أين نحن عن أوجاع مخاضك؟ أين نحن من نزيفكِ الذي أغرق الأمة؟ ونحن نظنه بِركة سباحة نلهو ونرقص، ونحيي الحفلات الماجنة على جنائز الشهداء والأجنة.
كيف لأمة الإسلام أن تهنأ بمرقد ومشرب؟ وأنتِ تتضورين جوعاً، ويجف حلقكِ عطشاً يا غزة، أين أنتِ منّا؟ بل أين نحن منكِ؟ أنتِ الثريا ونحن الثرى، أنتِ الأغصان ونحن لا نستحق أن نكون حتى ورق. كل يوم نصلي ونصلي لأجلك، ولكن صلاة باغتسال أجساد متعفنة، ودعاء مؤثم بإغواء وإغراء لعقول مغيبة.
ما زلنا ننتظر بأن يطبق علينا (لقد أُكِلت يوم أُكل الثور الأبيض) وقتها سندرك أنكِ من كنتِ ذلك الأبيض الناصع، الذي لا نستحق الانتماء إليه، وما كنا سوى سواد لن يأتِ بعده نور منتظر، لقد قيدونا بسلاسل الوهن، ورموا بعقولنا في حقول العفن، وإنْ غُيبت عقولنا وتعفنت أفكارنا ووهنت هممنا، ما زلنا نؤمن إيمان حق بقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} سورة إبراهيم، الآية (42).
نعم، كما يؤلمكِ الوجع ويقصم ظهركِ القهر، تأكدي يا غزة العزة، بأن أحراراً خلف القضبان يدكون الأرض دكاً دكا، ويصهرون الحديد لأجلك، لأجل نصرتكِ ورفع عزتك، والموت فوق ترابكِ الشريف، المطهّر بدماء أبنائك الأحرار، أيتها الحرة بانهيار منازلكِ وحرق حقولكِ وإزهاق أرواح الشرفاء من سلالتك، لكِ الله ومعكِ الله، قال ابن القيم رحمه الله: (من كان الله معه فمن ذا الذي يغلبه أو ينالُه بسوء، لو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤونتها) عن كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين.
أيها المسلمون، لماذا لا نقف وقفة تفكر فيما يحدث في غزة العزة، لماذا لا نفتح خزائن الحق لدينا؟ ما الذي يحجبنا عن قراءة تاريخ أمجادنا، فتوحاتنا، انتصاراتنا، جولاتنا في مشارق الأرض ومغاربها؟ لرفع راية الإسلام وإنارة كهوف الظلم والظلال بنور هدايته.
لنتفكر قليلاً، فقد فتح الله لنا بغزة نوافذ العزة والنصرة، ومكّن لنا من خلال معاناتها سُبل الجهاد، وشرع لنا للعبور إليها أبواب جنةٍ عرضها السموات والأرض، على هذا النمط المؤلم تتجسد لنا جنات النعيم، هذا خياركم الأمثل واختباركم الذي بسطه الله لكم، للوقوف على صدق إيمانكم بقضيتكم وللدفاع عن عقيدتكم ومقدساتكم، لن تحيا غزة ولن تعود بالأمنيات والدعوات فقط، غزة العزة تحتاج من لديهم كرامة وعزة وعدّة.