مقال : الطّبعَ والتّطبُّع..
فؤاد البوسعيدي
خلقنا شعوباً وأُمماً نعيش في مجموعات تكون صغيرة أو كبيرة يربط بيننا وبين الآخرين كلمات وإيحاءات وأفعال فد تكون مقبولة وقد تكون مرفوضة من قبل البعض .
البعض منّا قد يهتمّ بردّات فعل الآخرين تجاهه سواءً كان يعاملهم بالحُسنى وسواءً أكان التعامل بسوء نيّةٍ..،
قبل الولوجِ إلى ما سيأتي لاحقاً في سطوري، دعونا أولاً نذهب ونتعرّف عن ماهيّة ومعنى الكلمتين في عنوان هذه المقالة التي أتمنّى أن تكون مقتضبة لكم وتدخل قلوب القرّاء على إختلافهم..
الطّبع: هي كلّ صفة وخُلُقٍ وفعلٍ نشأ وتربّى عليها الإنسان.
التّطبّع هو: أن تقوم بطبعٍ لم تجبل عليه أي ّ لم تتربّى عليه.
.
من الأقوال الجميلة التّي ما زالت مُعمّرَة في رأسي منذ سنين طويلة..(قمة المتعه أن تجالس شخص يكرهك ويغتابك كثيراً ومع ذلك يبين لك العكس هذا كافي بأن يخبرك أن لحضورك هيبه قادره على تحويله لمنافق جبان -جبران خليل جبران-)..، في العادة ومن طباعنا أن نتعامل مع الجميع بحسن ظنٍّ وطيبِ نيّةٍ مع القريب والبعيد من الناس على السّواء، ولا يغيرنا عن ذلك سوى أن نواجه صدماتٍ متتالية من أحدٍ ما كنّا نعتقد بإنّه شيئاً ولكن إكتشفنا بأنّه غير ذلك، فنعلم ساعتَها وعن واقع تجربة من كانت أخلاقه وخصاله وطباعه توائمنا أم تخالفنا..، للأسف في كثير من المرّات وعندما تغيب عنّا الكياسة والحكمة عن عقولنا نَنخدع ونقع تحت طائلة المنافقين الذين يتخفّون تحت ألبسة الكذب والخديعة رغم ما تحمله وجوههم من الصدق والحقيقة فيدمّرون منّا ما يستطيعون سحقه، ويأخذون عنّا بطولاتٍ وأوسمة لا يستحقّونها أبداً أبداً.
.
واقع الحياة يقول..من النّادر أن نكون جميعاً في نفس المستوى من الفِراسةٍ التي تساعدنا على فهم ومعرفة حقيقة من نتعامل معهم في مختلف نواحي الحياة، فلا يمكن أن نقول بأن الجميع طيبّون معنا فنتقرّب إليهم، وكذلك لا يمكن الجزم بأن الجميع أشراراً وقد يُضِرّوننا بطريقة أو بأخرى فنُناوِؤُ أنفسنا مبتعدين عنهم..، ولكن ربّما يجب أن ننظر إلى تعاملاتنا اليومية مع غيرنا وكأننا ننظر إلى الإختلافات التي خُلِقنا بها في أصابع اليدين، فلكلّ شخصٍ قيمته التي لن تظهر حقيقتها أمامنا سوى عندما تسقط تلك الأقنعة عن الوجوه، ولا ننسى الرسول عليه أفضل الصّلاة وأتم التّسليم عندما قال: ( وخالقٍ النّاس بخُلقٍ حسَن).
.
من الذكريات التّي لم أستطع طيّها ونسيانها على الرّغم من مرور فترةٍ من السّنين الطّويلة منذ وقوعها، أن حادثني رئيسي ومسؤولي الكبير في العمل وكنّا في جلسةٍ نقاشية خاصة تخصّ أموري الوظيفية، مسؤولي أخبرني..
[يا فلان زملاؤك يشتكون بأنّك لا تقوم بمجاملتهم في الأحاديث ولا تقوم بمبادلتهم الإبتسامات والضّحكات، أنت متجهّم الوجه وقليل الكلام معه، يا فلان يجب عليك أن تقوم بتغيير هذه العادات التّي يشتكي منها زملاؤك]..؛ كان ما صدر منّي كردٍّ عليه أنْ أخبرته..هذه طباعي منذ ولدت، هي صفاتي التي كبرت عليها، لم أتربّى على لِبْـس النّفاق بإبتساماتي ولم أتعلّم المجاملات في تعاملاتي وأنا لا أقوى على تغليب التّطبُّعِ ضدّ طباعٍ منذ صغري كبُـرَت ونشَأت معي، حادثني ذلك المسؤول وكلّي تعجّبٍ من كلماته التي كانت تخرج من فاهِـه وكأنّه لم يكن بمسؤول يقود مجموعة كبيرة من الأشخاص تشكّل فريقاً لديه.
.
بقول الشاعر أحمد شوقي..
(وإنِّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ..
فَإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخلاقُهُمْ ؛ ذَهَبُوا)
إنّ من أنذل الأشكال والشّخوص البشرية والتي بأخلاقهم من الممكن أن نتعامل معها وربّما تكون قد مرّت علينا سابقاً، هي تلك الشّخصية التي تمتلك وجهين يصعب علينا أن نفرّق بينهما، وهي ليست بالشّخصية التي يمكن أن نقول عنها مباشرة بأنها مريضةً نفسياً حسب ما قد نفهمه من خلال الوصف السابق، ولكن هي بكلّ وضوح تكون مريضة في أخلاقها وتربيتها وآداب التعامل مع الآخرين، وفقط علينا أن نعلم يقيناً بأنّه قد لا تكون تربية الوالدين للأبناء هي العلاقة والسّبب الذّي يُنتج بيننا تلك الطّفرات والجينات الإخلاقية الخبيثة المستحدثة في تلك النّفس البشرية.
.
شخصية ذي الوجهين أو المُقنّعة ويساويها إختصاراً في المعنى كلمة (المنافق)، هي شخصية تخريبية لعلاقاتنا الصادقة والمخلصة والحقيقية سواءاً أكانت العلاقة معها أم سواءاً أكانت مع غيرنا من البشر، هي للأسف حالما نقوم بإدخالها في أمورنا القريبة والبعيدة إلاّ ونرى الدمار يأتينا من حيث لا نعلم، هي شخصية غير مرئية ولا تملك الشفافية في تصرفّاتها، وهي في الغالب تكون عالّةً على من يتقرب إليها، حيث يكون الجميع مخدوعون منها وقلة من البشر تعرف تمييز تصرفاتها الخادعة.
.
إذاً من الواجب واللاّزم علينا معرفة المُتنكّرون بمظاهر لا نعرفها وأن نفهم هؤلاء المقنّعون الذي يتخفّون بيننا في المجتمع سواءاً في أعمالنا وأشغالنا العامة وكذلك في محيط الأسرة من أقارب وأصدقاء وجيران، وذلك كي لا نقع تحت طائلة أحداث قد لا تكون عابرة علينا لا نريدها ولم نكن نتوقّعها.
ولا أنسى في الختام قول أحد الشُّعراء..
(حاذر ولا تُصاحِب ممتلك
الوجهين مُبعداً عنك الحقيقة
حاذر من ناسٍ تبيع الصّديق
وليس كلّ صدوقٌ مقاماتِه غريقة)
.