تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
قصص وروايات

فزع .. قصة قصيرة

  حميدة المحسن

لقد تجاوزت الساعة السابعة والنصف!!

ما الذي دهاني.. لما أنا نائم حتى الآن؟!
هو ليس بغرفته، لربما صعد إلى سطح المنزل.. إلى حيث أقفاص الطيور؟ ونسي كيف ينزل كعادته؟!
ليس بالغرفة..
ولا هو بسطح المنزل..
ولا الحمام.. ولا ( حوش) المنزل..
يالله!! الباب للطريق مفتوح!!
لقد خرج بلا شك..

هذا جارنا( أبو علي).. يسقي الزرع المحيط بسور منزله.
صباح الخير (أبو علي)..
(أبو علي): أهلاً ولدي ناصر.. صباح النور..
ألم ترَ والدي مار من هنا؟
(أبو علي): لا، لم أره، لا أظن أنه ابتعد كثيرا..
تفقده في بقالة ( رحيم) – لعله وصل إلى هناك وتحفظ عليه..
لم أغتسل ولم أغير ملابسي من الارتباك؛ لذا لن أستطيع الابتعاد أكثر..
إن شاء الله أجد أبي هناك.. وتتوقف عملية البحث ونعود كلانا للبيت..

(رحيم) الهندي.. عامل بقالة (النجوم)، البقالة الأشهر في الحي..
ولأنه هنا منذ عشر سنوات أو تزيد.. نسبت البقالة له..
فتحت الباب، وإذ ب(رحيم) يجلس مقابلاً هاتفه المحمول..
بنفس القميص المخطط الذي عهدته به، والذي يكاد أن يتشقق من فرط الضيق.. فاتحاً مكالمة فيديو مع عائلته ككل يوم..
(رحيم)!!
ناديته بنبرة صوت مرتفعة محاولاً توجيه انتباهه لي وسط ضوضاءه:
ألم ترَ أبي؟!
(رحيم): لا لم أره، لعله سار إلى جهة المزارع.
(رحيم) طبعا يتكلم (سعودي) ربما أفضل من ( السعوديين) أنفسهم…!
لا أستطيع أن أمشي على رجلي أكثر من ذلك.. لا بد من رجوعي للبيت والبحث على نطاق أوسع بواسطة السيارة.
تفقدت كل الأماكن المتوقع أن أبي ذهب إليها.. ارتفعت حرارة جسدي.. دقات قلبي اضطربت، وتسارعت أنفاسي…
وأخذ مني الخوف كل مأخذ .. أبعد مكان ذهب إليه كان رأس الشارع وأول طريق المزارع.. كانت هذه الحادثة قبل عام من الآن، ولم تتكرر..
من الصعب جداً أن يكون تجاوزهما ولم يره أحد ويرجعه للبيت.. أو على الأقل يتصل لي، نحن هنا نعرف بعضنا بعضا..

أدع الباب مقفلاً أغلب الوقت.. هي عادة بعد أن تزوج جميع إخوتي.. لا يوجد سوانا بالبيت.. أنا وأبي.. جميعهم يقطنون خارج قريتنا..
وأنا كمن جاء إلى الدنيا في الوقت الضائع..
لم أشبع من حنان أمي رحمها الله.. ولم أتلقى الدلال الكافي من والدي..
هناك خمسون سنة، هي فارق العمر بيني وبينه.. وعشر سنوات أخرى بيني وبين أختي فاطمة، وهي آخر من تزوج، كنت في السابعة عشر حينذاك..
أشعر بأنه ابني الصغير وأنا أبوه، رغم سنواتي الثانية والعشرون..
حتى لو لم يعرفني..
ولو دأب على سؤاله ككل يوم: “من أنت…”.. يكفي وجوده معي وحولي..
فأين ذهبت يا أبي؟!
أكاد أجن..
تقاذفتني الأفكار السوداوية حول مصيره .. وأنا في طريق عودتي للمنزل بهدف إبدال ملابسي والتوجه لمركز الشرطة ورفع بلاغ.. تذكرت قصة الرجل المسن التي حدثت قبل عامين، عندما خرج من منزله واختفى.. وبعد البحث لساعات وجدوه في ركن منزو متوف بسبب نوبة سكر!!
هل اتصل لإخوتي الآن أبلغهم بفقدانه؟
ماذا سأجني؟
سوف أثير فزعهم وقلقهم وهم جميعهم بعيدين.. سأذهب لرفع بلاغ ثم أخبرهم..
ضغطت فرامل السيارة مسرعاً متجها للبيت..
دخلت الغرفة ماداً يدي لعلاقة الملابس ساحباً ثوبي..
لم أصدق ما رأيت!!
أبي متمدد على الأرض بلا غطاء أو وسادة..
مستغرقا في النوم!!

تنفست الصعداء..
شعرت بأن روحي ردت لي للتو.. سقطت عليه حاضنا إياه أبكي كبكاء الأطفال..
أبي!! أنت هنا وأنا أبحث عنك!!
نظر لي بفزع وببراءة في ذات الوقت..
يسألني سؤاله اليومي منذ سنة.. من حين اشتداد ( الزهايمر) لديه: “من أنت؟؟؟”
أنا ابنك ناصر يا أبي ..
أنت ابني!!
نعم.. أنا إبنك..
حسنا أريد بيضا وخبزاً..

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights