خلفان بن علي بن خميس الرواحي
بوجه مسوّد خرج أنور من عند صديقه أحمد يختلف عن الوجه الذي جاء به كان يمشي بدون وعٍ أو إحساس حتى أنه لم يدرك المسافة التي قطعها وعندما مر على المقهى الذي أخذ منه العصير صباحًا ورآه العامل أدرك أن أمر ما قد حدث حاول أن يستوقفه ولكنه لم ينتبه لندائه وواصل السير . كأنه أعمى يتخبط في سيره في لحظة يقرر أن يعبر الجهة الأخرى من الشارع لكنه لم ينتبه لسيارة القادمة في اتجاهه حاول السائق أن يتفاداه ولا يصطدم به ولكنه لم يستطع وقع حادث الدهس وتجمع الناس ، في لحظة كانت سيارات الشرطة والإسعاف في الموقع أحدهم : لا أعرف ماذا حدث لهذا الشاب كان يسير على رصيف الشارع وقرر قطعه وهناك آخر يقول : لقد تفاجأ صاحب السيارة به ولم يتمكن من تفاديه .
كان الاصطدام قويًا ولحقت العديد من الإصابات بأنور، تم نقله إلى المستشفى وهناك تم التواصل مع والده.
حضر الوالد والأم إلى المستشفى وكانت حالة أنور خطيرة ولابد أن يخضع للعديد من العمليات، دخل الأب أولا عليه ولم يستطع التعرف عليه صرخ داخله : هذا ليس ولدي؟ أين نضارة وجهه؟ ماذا حدث ؟ يخرج غير مصدقٍ ما رأى، تلاحظ زوجته حاله وتذهب إليه : ما بك ؟ كيف حالة أنور ؟ لا يتكلم فقط يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . الخوف يدخل قلب الأم وتزيد حالتها سوءًا، لابد أن أراه تحاول الدخول ويحاول هو منعها ثم يأتي الطبيب : أبو أنور لو سمحت نريد منك إنهاء بعض الإجراءات حتى ندخله غرفة العمليات تفضل معنا . ينهض متثاقلًا والأم مازالت في حيرتها لا تفهم شيئا ولا تستطيع الحركة .
يدخل أنور العمليات ويستمر بها لعدة ساعات ، حضر كل إخوته وكان أحمد من ضمنهم مع أمه. ظل أنور في المستشفى عدة أسابيع دون أن يدرك ماذا حدث له فقد كان فاقدًا للوعي وعندما جلس الأطباء مع والديه كان الخبر المحزن لهما أن وجهه لن يعود كما هو فقد حدثت له العديد من التشوهات وحاولوا قدر الإمكان معالجتها ولكن للأسف آثارها باقية وتحتاج عمليات تجميل فيما بعد . أصاب الحزن الوالدين ونقلا الخبر للجميع تلك التشوهات الآن غير ظاهر فرأس أنور كله ملفوف بالشاش وسوف يُزال قبل خروجه من المستشفى .
كان الشعور بالعالم بدأ العودة لأنور وبدأ يتفاعل مع الزوار وبدأ في الحديث قليلًا وكان يتحسس وجهه ويسأل : هل تم عمل عملية تغيير وجه لي ؟ كانت أمه تقول له وهي حزينة : نعم أخيرا تحقق ما كنت تحلم به لقد تخلصت من ذلك الوجه وأصبح لك وجه آخر بمظهر آخر . في فرحة قال أنور : الحمد لله ، هل أستطيع رؤية وجهي الجديد ؟ الأم وهي تمسك بيده غدًا سوف يقوم الأطباء بإزالة هذه الضمادات من على وجهك وسوف تراه ونراه معا .
كان أنور في لهفة ليرى وجه كيف أصبح، أراد أن يقارن ما كان عليه وكيف أصبح ؟ سوف يتقبل وجهه كيف ما كان لأن رغبته هو التغيير . جاء الأطباء وبدأوا في رفع تلك الضمادات من على وجهه ، ذلك الأمر ليس سهلًا يحتاج شيئًا من الوقت ولكن أنور ليس لديه ذلك الوقت للانتظار وأسرته كانت بالخارج تنتظر الوالد كان يتأمل أن يكون الوضع أهون مما وصفه الأطباء له .
ظهرت معالم وجه أنور الجديد لقد اختفى ذلك الوجه الجميل وظهر وجه دميم لا يستطيع الإنسان أن ينظر إليه . دخل الوالدان الأب يتقدم الأم ويحاول أن يمنعها من الرؤية المباشرة لوجه ابنها حتى لا تنصدم . قبل أن يصلا كان أنور يمسك مرآة حتى يرى وجه في بطيء يضعها أمامه ويغلق عيناه يفتحهما ويرى نفسه ويقول لمن حوله : من هذا ؟ الأم تتفاجأ بأنور والأب يمسك يدها ويقول لها : لا حول ولا قوة إلا بالله ، هذا ما جناه ابنك على نفسه لم يرض بنعمة الله عليه . الأم غير مصدقة لما ترى كيف سيعش بهذا الوجه الذي لا تتقبله النفس؟ هل يتقبل هو هذا الأمر ؟ تلك الأسئلة دارات في رأسها وقطع الصمت والهدوء ضحكات أنور العالية التي ملأت المكان محاولًا الوقوف وبيده المرآة : كنت أرغب بأن أغير وجهي ولكن ليس بهذا الوجه الذي أراه الآن ، يواصل الضحك بشكل هستيري ولا يسيطر على نفسه ، مع هذا سوف أتقبله وأعيش به لأني أنا ما كان يرغب في تغيره سوف أتحمل احتقار الناس لي وأواصل حياتي، يقترب من والده وأمه ويهمس لهما : الخطأ كان بي أنا وليس في وجهي أو صورتي أنا لم أرض بوجهي الجميل الذي كان الكل يعجب له وكلمات الإطراء والمدح كانت تأتيني من كل صوب الآن ماذا سوف أسمع؟ ينظران إليه ويقول له والده : المهم أنت ماذا سوف تقول لنفسك ؟ لا شيء ، كان رده يجر قدماه للخروج وكله ثقة ولا ينظر لمن حوله من الناس كان رافعًا رأسه يمر على صديقه أحمد وينظر إليه يناديه ويقترب منه : صدقت فيما قلته لي التغيير يبدأ من الداخل ونحن من نتقبل ذواتنا كما هي ، خلقنا الله على تلك الصورة والهيئة ولابد أن نقبل يقترب أحمد من صديقه ويحضنه إليه : هكذا هي الحياة ليس كل ما نرجوه نجده ، سأكون إلى جانبك بإذن الله تعالى ، يمسك بيده وهما يخرجان من المستشفى والبقية خلفهما وهنا ولد أنور آخر ستكون له حياة مختلفة .
