وجبة “الصَّدْ” من أشهر الوجبات الشعبية العُمانية في القرى الجبلية
درويش بن سالم الكيومي
إنَّ المجتمع العُماني يزخر بالكثير من الوجبات والأكلات الشعبية؛ سواء كانت من الخيرات البرمائية والزراعية والسمكية أو غيرها، وربما أنها لا توجد في مجتمع آخر من دول الخليج العربي، فلدينا وجبات شعبية عديدة ومتنوعة؛ مثل (السيداف، المحماض، الغاف، الفرفينة، القاشع، المالح، العوال، العرسية، والهريس، الخبيصة، الثريد)، وكذلك بعض الأنواع الأفريقية؛ مثل (المبوجا، والمهوجو) وهي وجبات استوطنت وأصبحت لها شهرة عالية في المجتمع أيضا. واليوم سوف نتحدث عن وجبة تختلف تماما عن كل الوجبات الشعبية، ألا وهي وجبة “الصَّدْ”، و”الصَّدْ” هو عبارة عن أسماك صغيرة الحجم تعيش في المياه العذبة في الأودية والأفلاج، ولا يعرف هذه الوجبة إلا أصحاب المناطق والقرى الجبلية.
ويأتي بها موسم الأمطار الذي هو حافل بالخير والبركات من خلال نزول الأودية التي تروي الأرض وتتشبع منها البرك المائية وتسيل على شكل غيل مستمر، وفي ثاني أو ثالث يوم من نزول الوادي يتجمع “الصَّدْ” في مكان معين بالغيل لأجل وضع البيض والتكاثر، ويعرف بأن الموقع به “صد” كثير، وتتم عملية صيده بواسطة الأقفاص الخشبية التي صنعت خصيصا للصيد، وتسمى محليا (العنكدية)، تكون على شكل دائري وهندسي متقن الصنع، كما هي في الصورة، وقد أغلقت من ألأسفل ومفتوحة من الفوهة، وتوضع المصيدة على منحدر المياه ويدخل بها الكم الهائل من “الصَّدْ” المائي ولا يستطيع الخروج من الفخ، وتجمع كل المصائد، ثم تبدأ المرحلة الثانية في طريقة تحظير الوجبة الغذائية؛ حيث يخلط الخبز مع الطحين وتضاف له البهارات؛ مثل (الملح، والسنوت، والثوم)، ويعمل على شكل قروص، ويطبخ على “طوبج” -أي مقلى مسطّح- على حرارة متوسطة مع السمن العُماني، والمرحلة الأخيرة لا بد من الضغط عليه بالحصى حتى ينضج وتلاحظ عليه شكل الاسمرار، وبهذه الطريقة تكون قد جهزت الوجبة الدسمة للعائلة أو الضيوف، وتؤكل وجبة “الصَّدْ” مع الليمون والبصل والتمر، وطبعا أهالي القرى الجبلية هم المهتمين والمتخصصين في عملية وتتبع مثل هذه التجمعات الغيلية في الأودية العميقة، مثل (وادي الحواسنة)، والصورة المنشورة المرفقة هي في وادي (ميحة بني كيوم).
وبلا شك هناك العديد من الوجبات الشعبية الزراعية والسمكية، وهي غذاء طبيعي يغنيك عن وجبات الأرز، ولها فوائد كثيرة للجسم البشري؛ لهذا السبب ترى القوة الجسمانية لكبار السن والشباب ممن يسكنوا تلك القرى، لأنها تمتاز بالجو النقي النظيف، والمشي على الصخور الصلبة وهي رياضة ونشاط، والمأكل الطبيعي بشكل عام له فوائد عظيمة في تقوية الذاكرة وألم المفاصل وداء السكر.
شكراً لأهالي الميحة على وجبة “الصَّدْ” الطبيعية التي تناولتها معهم في يوم رائع من أيام هذا الأسبوع التي قضيتها بهذا الوادي، فالقرى الجبلية هي الأخرى متعة السياحة والرحلات، ولها دور كبير في تغير الأجواء والضغوطات النفسية.
نسأل الله عز وجل بأن يديم عليكم نعمة الصحة والعافية، وسوف نختار لكم في الموضوع القادم وجبة شعبية أخرى من المجتمع العُماني.