طيور غزّة المهاجرة

ناصر بن خميس الربيعي
وعادت صفقة القرن من بلاد العم سام، ولكنّها بطابعٍ مختلف عمّا كانت عليه في بدايتها، فقد عرض العم سام في المرة الأولى على أهل غزة المال والقصور والوطن البديل، لكنهم ثبتوا وثبّتوا أقدامهم وسفكوا دماءهم الطاهرة، رفضوا فما كان جزاء رفضهم إلا الإبادة التي أحرقت الأخضر واليابس وقتلت الكبير والصغير، ومع ذلك لم ييأس سام من عقد صفقته وبلا مقابل هذه المرة، فالمال الذي كان من المفترض دفعه كتعويض لأهل غزة قد أُنْفِقَ في حربٍ لم تؤتِ أُكلها وإنما أظهرت الضعف في بيت العنكبوت التي حاولت أن توجد لنفسها الشرعية.
بعد أسابيع من عودة سام إلى قبة البيت الأسود، تعود صفقة القرن وقد غيرت ملامحها ولبست لباس التقوى والإنسانية؛ فالعم سام يؤلمه ما حل بغزّة وأهلها، ويرثي لحالهم فصار يلتمس من الجيران استضافة أبناء غزة الكرام في أَوطانهم إلى أن يشيد لهم غزّة الجديدة.
وأنا أكتب هذه الكلمات، أحاول أن أتخيل غزّة الجديدة، وقد جُرّدت من عيونها اللامعة في سماء المسلمين، واستُبْدِلت بالمومياء البيضاء التي تسرّ الناظرين؛ لكنها تبقى كالدمية في يد العم سام وأبنائه مثلها مثل غيرها من الجارات.
الغريب في الأمر أن العالم كله لا يزال يأمل الخير، فيُحملِق إلى الشاشة الملعونة التي يستمع عبرها إلى العم سام، وهو يهذي من تحت القبة السوداء قبل أن ينام، فيوزع أبناء الكرام على الجوار، ويطلب الطاعة ممن خُيّل لهم أنّ الذئب قد أصبح حملاً وديعاً، وفي الجهة المقابلة يسعى إلى إخماد فتيل الحرب بين بني جلدته، فهل سيلقى أمره أذن صاغية؟ وهل سيبقى العالم الحر صامتاً لجريمة فاقت الخيال؟
لو حاول سام التخلي عن العنجهية التي نجح بها في دخول البيت الأبيض للمرة الثانية، ولو تأمل في المليارات التي دفعها من كان قبله لتهجير أهل غزة لعلم علم اليقين بأنّ الطيور المهاجرة تعود إلى أوطانها طال الزمن أو قصر.