2024
Adsense
مقالات صحفية

الثراء وصناعة الإبن المعاق

د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي

إن المال نعمة من الله عزّ وجلّ، وهو وسيلة يستطيع الإنسان من خلالها قضاء حوائجه والإتيان بمتطلباته، ولكن البعض يستخدم المال بإسراف وتبذير، حيث يُعدّ الإسراف من بين الآفات التي نهت عنها الشريعة الإسلامية، وحاربتها منذ بداية الدعوة؛ ولذلك ورَد النهي عن الإسراف والتبذير في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فقد قال تعالى:
{وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف، الآية 31. وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت” رواه ابن ماجه. والشاهد هنا أن الثراء الفاحش يُعلّم الإسراف ما لم يتيقّظ صاحبه، ويفطن إلى صيانة النعمة، والحفاظ عليها، وإنقاقها في أمورها المستحبة، وإخراج زكاتها في مصارفها للفقراء والمحتاجين، فخير الناس الغنيّ الشاكر والفقير الصابر، وكلاهما اختبار، قال تعالى: {ونبلوكم بالخير والشر فتنة وإلينا ترجعون} الأنبياء، الآية 35.

وقد يكون الثراء الفاحش نقمة وليس نعمة، ويعود على صاحبه بالندم والمصائب، وذلك إذا اتصف صاحبه بالافتراء والبغي، وانقلب الحال والمآل، قال تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} الشورى، الآية 27. فمن العباد من إذا امتلك المال استخدمه في المعصية، وبالتالي يتحول المال من نعمة إلى نقمة، وقد رأينا أنه كم قد حوّل المال البعض إلى طغاة ومتكبرين، وللأسف الشديد فإن مآل هذا الأمر يعود على الأبناء، وهذه أعظم مصيبة قد يُبتلى بها الإنسان، فالأبناء ثمرة الآباء، ولا يتمنى الآباء أمنية أعظم من أن يكون الابن أفضل من الأب، ولو احتاج نجمة من السماء لهمَّ الآباء بالإتيان بها.

وبنظرة نفسية لتوابع الثراء والأبناء، يمكن القول بأن هناك من يوصف “بمتلازمة الطفل الغنيّ”، والتي تُعرف تحت مصطلح (ريكوباتيا)، وهي تصيب أبناء الطبقات الثرية في المجتمعات، ومآل هذه النقطة النقاشية هي أساليب المعاملة الوالدية والتنشئة الأسرية التي تؤثر على شخصية الأبناء، حيث يُفرط الآباء في جلب الهدايا وغيرها، مما يصنع أبناء مدللين، ويُفقدهم الشعور بالقيمة، واحترام الذات، وانعدام القدرة على تحمل المسؤولية وحلّ العقبات والمشكلات التي تعترضهم، فضلاً عن التعوّد على الرفاهية الزائدة، وفقدان التعاطف واحترام الآباء؛ وبذلك يكون الآباء قد أسهموا في صناعة الابن المعاق الذي يتصف بالسلوك غير المسؤول، كالاتصاف بالاتكالية والتدلل، والحماية الزائدة، والافتقار للانضباط والتنظيم الذاتيّ، والإخفاق الدراسيّ؛ لأنه يستشعر أنه لا قيمة للعلم والتعلم طالما توفر المال، بل إن الغضب طريقته في التعبير عن احتياجاته، وللأسف الشديد فإن المستقبل القريب يُنبئ بميلاد شخصية ناقمة على المجتمع والمحيطين، وتوضع في بوتقة المدمنين أو المخربين، أو المضطربين سلوكياً وانفعالياً واجتماعياً.

من هنا نضع خطوات إرشادية مختصرة لحماية النشء من مخاطر صناعة الابن المعاق في الأسرة، وهي كالتالي:
– وعي الآباء بقيمة النِّعَم، وحفظها على النحو المتوازن والسليم.
– غمر الأبناء بالحبّ والدفء الأسريّ المتوازن، غير المُبالَغ فيه.
– تدعيم سلوكيات الأبناء الصحيحة وتعزيزها، وتقويم السلوكيات السلبية.
– مشاركة الأبناء في تحمّل المسؤولية وتكليفهم ببعض المهام، وفق حدود قدراتهم وإمكانياتهم.
– تعويدهم على المشاركة في اتخاذ القرارات وتحمّل عواقبها.
– عدم مساومة الأبناء للحصول على ما يريدونه؛ لأن ذلك يصنع لديهم جوانب نفسية عدائية، ورغبة في الانتقام للذات.
– عدم حرمان الأبناء من الألعاب النافعة والمتطلبات ذات الأهمية، وخصوصاً في ظل الثراء، كي لا يستشعر الأبناء البخل، والاكتناز، والرغبة في السرقة القهرية وحب التملك كأسلوبٍ تعويضيّ وحيلة دفاعية تشفي غليل النفس، وتُشبع رغباتها الدفينة، ونزعاتها غير السويّة.
– أخيراً، إذا رزقك الله الخير الوفير فلا تصنع من ابنك إعاقة، ومعناها هنا تنشئة طفل اعتماديّ، غير مكترث بمن حوله، ليس همّه إلا تنفيذ أوامره وتلبية احتياجاته، فقد يعاني الكثير من ويلات هذا الأمر في العلن وفي السر.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights