العلاج بالفن: رحلة نحو الشفاء
حسناء غزالي
أخصائية نفسية إكلينيكية ومعالجة نفسية
بداخلنا توجد قصة لم تُحكى بعد، مشاعر مكبوتة، وأحلام تنتظر البوح و الإفصاح.
بدايةً بالفنّ الذي هو محور هذا المقال، فهو ليس مجرد وسيلة للتعبير فقط، بل هو جسر يربط بين عالمين، عالمنا الداخلي _الذي يتسم بالفردانية والذاتية والذي قد يتزعز سلامه مخلفاً اختلالاً في توازننا وأريحيتنا _ والعالم الخارجي، هو ملاذ يوفر الأمان للتعبير عن الذات دون التقيد باختيار الكلمات، دون خوف أو تحفظ، هو بديلٌ يبني جدار التواصل مع الآخر لأن الحديث ليس دائماً هو السبيل الوحيد للكشف عن ما هو داخليّ.
العلاج النفسيّ بالفنّ هو البوابة التي تُفتح أمامنا، لاستكشاف كهفنا العميق، ومواجهة ما نخفيه بداخله، من خلال الألوان والأشكال والخطوط، نبدأ رحلة المواجهة بالبَوح و الشفاء، حيث تصبح تلك الورقة البيضاء أول ذلك القماش الأبيض معالجاً يستمع دون حكم، وتتحول الألوان والخطوط إلى كلمات تروي قصتنا بكل تفاصيلها.
في كل خربشة قلم أو لطخة فرشاة، هناك إسقاط للعواطف و الأفكار، وانعكاسٌ للمخاوف و الصراعات، وفي كل لوحة مكتملة، هناك فهمٌ أعمق للذات.
العلاج بالفن ليس مجرد عملية إبداعية تنتظر منا تصفيقاً بحرارة لجمالها، أو تقييماً بالسلب أو الإيجاب لتفاصيلها، بل هو رحلة تحوّل، تمكّننا من رؤية مرآتنا الداخلية من زاوية جديدة، وتُعلمنا كيف يمكن لنا التواصل مع أنفسنا ومع الآخرين بطريقة أكثر صدقاً وعمقاً. إنه يعلّمنا أن الجمال يمكن أن ينبثق من فوضى حواسّنا وتاريخنا، وأنّ تضارب الألوان يمكن أن يولد من رحم عالمنا الداخليّ، و مِن تضارب أحداثه وعشوائيته.
الفن ليس لوحة فحسب، هو أداة للعلاج، بل هو رفيق الذات في رحلتها نحو الشفاء و التحرر.