أيهما أهم الفريق أم الهدف؟!!
زكية السعدية
للوهلة الأولى كنت متأكدة من أن الهدف هو الأهم فلولا الهدف ما احتجنا إلى الفريق مما جعلنى انصدم من إجابة الأستاذ حين رد بأن الفريق هو الأهم حيث أن تلك الإجابة رغم استنكارى لها جعلتني أراجع نفسى فالأستاذ و لا نزكي على الله أحدا نحسبه من العلماء الذين يخشون الله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) و من يخشى الله يؤته الله الحكمة (و من يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) فلا بد أن للموضوع بعداً أخراً غاب عنى و كان لزاماً علي أن أبحث و أفكر فى الموضوع
حين توجه الأستاذ إلينا بسؤاله كانت الصورة الذهنية حول أهمية الهدف تتمثل في مواصلة و نضال كتيبة الجيش حين يتساقط أفرادها واحد تلو الاخر لتحقيق هدفهم و هو حماية الحدود فهو أعلى و أسمى من تماسك الفريق
و غاب عن ذهنى بأن الهدف هنا ليس أساسيا فالهدف الأساسى هو حماية و تماسك الفريق الأساسى الذى من أجله أرسلت تلك الكتيبة و هو الشعب الذى يتكون منه الوطن و تلك حدوده
و لنلقى الضوء لمزيد من التوضيح على الأسرة فتماسكها هو الهدف الأساسى و إن كان للأسرة أهداف أخرى كالتعليم و الصحة و المأكل و المشرب و غيرها من الاحتياجات فتماسك الأسره هو ما يدعو رب الأسرة إلى الاستماتة فى الحفاظ على أسرته دون التفريط بأحد منهم إذن الشعب هو الأسرة الكبيرة بهذا الوطن
لقد كان مثال الأستاذ من القرآن هو عن بنى إسرائيل حين تركهم سيدنا موسى فى رعاية أخيه سيدنا هارون فبنو إسرائيل ليسوا مقياسا لأن هؤلاء القوم لهم ما لهم و عليهم ما عليهم فهم أكثر الأقوام جحودا و نشوزا عن الحق واحتاج الأمر بسبب ذلك أن يرسل الله عددا من الرسل لهم وخاصة أننا نتحدث عن العمل الجماعى فى الفريق الواحد
و لكن و بعد عدة أيام من التفكير و البحث ألهمنى الله إلى أن للمثال بعدا أخرا و هدفا أسمى فالله غني عن عبادتنا لة فلقد اختار الله سيدنا موسى لدعوة بنى إسرائيل ليخرجهم من الضلالة للهدى و حمايتهم من أنفسهم الأمارة بالسوء و إخراجهم من حياة الذل و الهوان ومن جبروت فرعون فالفريق هنا بنو إسرائيل و القائد هو سيدنا موسى
عند ذهاب سيدنا موسى للقاء ربع أخبره الله بأنهم فتنوا بالعجل فعاد غاضبا أسفا و أخذ براس أخيه يجره إليه معاتبا إياه بقوله ( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمرى)
و لكن الحكمة هنا كانت البقاء للحفاظ على ما تبقى من الفريق و إن كانوا قلة و دعوة الذين فتنوا و تذكيرهم فكان قرار سيدنا هارون بالبقاء معهم دون اللحاق بأخيه هو الأسلم فهم أرسلوا لهؤلاء القوم و حمايتهم و تلك وصية سيدنا موسى لأخيه قبل مغادرته ( أخلفنى فى قومى و أصلح و لا تتبع سبيل المفسدين)
وبعد وصولى لهذا الاستنتاج العظيم بفضل الله ثم بفضل ذلك الأستاذ الفاضل تذكرت مقولة الغاية تبرر الوسيلة فالغاية هى الهدف وبعض الوسائل للوصول للهدف قد تأخذ منحنى غير شرعي مما يتسبب فى تفكك الفريق و عدم تجانسه و الصعود على أكتاف الآخرين فالفساد الذي ينخر فى عظم الأمة أو الأوطان أو الأسر هو بسبب أن بعض أفراد الفريق جعلوا هدافهم فى المرتبة الأولى و سحقوا باقى أفراد الفريق وصدق رسول الله حين قال (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )
تكاملية الفريق و تجانسه:
شرح الأستاذ أهمية تكاملية الفريق و اختلاف مهاراته و تخصصاته من أجل الوصول إلى الأهداف المرجوه وأثناء بحثى عن أيهما أهم الفريق أم الهدف و قصة بنى إسرائيل شدنى البحث إلى التمعن فى تكاملية فريق سيدنا موسى وصفاته
فالقائد فى ذلك الفريق سيدنا موسى الذى يتميز بالقوة والشدة و الصلابة و الحزم كان عظيما قويا فى الحق شديدا على الباطل غيورا لدينه حازما مع عدوه جريئا مع الظالم له هيبة وشهامة و نجدة للضعفاء كما كان شديدا إذا غضب لله ينفعل بسرعة ثم يهدأ و يرجع للحق
فقوته و شجاعته و نصرته للضعفاء وانفعاله يتمثل فى اللكمة القوية التى أنهت حياة القبطي من آل فرعون حين استنجد به رجل من بني إسرائيل
و من شدة غضبه أيضا عندما استنجد به نفس الرجل في اليوم التالي عند بحث جنود فرعون عن قاتل القبطي فحين رآه يقاتل قبطياً آخر توجه إليه موسى و قد ظهرت علية علامات الغضب على وجهه موجها كلامه للرجل الأول و معنفا له ( إنك لغوي مبين) فظن أن موسى قاتله فقال له (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس) فسمع القبطي ذلك فهرب إلى قومه لينقل لهم الخبر بأن موسى قاتل الرجل
ولكن إذا غضب يهدأ و يعود للحق فبعد قتل القبطي ( قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم *قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين)
قوته و شدته و صلابته فى خطابه مع فرعون (و إنى لأظنك يا فرعون مثبورا) لا مجال للمداهنة و المجاملة كونه تربى فى كنفه و بين أروقة قصره
انفعاله و نصرته للحق دون تروي فى صحبته لسيدنا الخضر رغم أنه من طلب تلك الصحبة و موافقته على الاتفاق أن لا يسأل و إخطاره بأن الأمر فوق استطاعته وفعلا لم يقو سيدنا موسى من أول الرحلة فانفعل لخرق السفينة فنصرته للضعفاء أصحاب السفينة فوق كل اعتبار
سيدنا موسى يعرف نفسه جيدا و لذا عندما كلمه الله و أمره بدعوة فرعون علم جيدا أنه بحاجة لوزير بصفات أخرى تكمله فزكى أخاه هارون ( اجعل لى وزيرا من أهلي* هارون أخي * اشدد به أزرى)
تكاملية هارون مع موسى:-
بعد تلك الصفات القيادية لسيدنا موسى ماذا يحتاج الفريق فكل صفات القوة و القيادة متوفرة مع كاريزما رائعة ما الذى أراده سيدنا موسى بتزكية أخيه و مشاركته إياه فى أعظم مهمة على وجه الأرض حيث قال موسى (و يضيق صدرى و لا ينطلق لسانى فأرسل إلي هارون) و قوله (و أخى هارون أفصح منى لسانا) علم النقاط التى قد تؤثر على قيادته وعلم شدة المهمة وعلم جبروة عدوه
كان هارون الأخ الشقيق الطيب لسيدنا موسى تميز بالفصاحة و علم اللغة من بين القوم الذين تركهم سيدنا موسى (و أخى هارون أفصح منى لسانا)
هارون كان محبوبا من بنى إسرائيل وكان صادقا أمينا و كان تقيا صالحا وكان ذا حلم و رفق و رقة ليس له إساءة حتى مع آل فرعون
كان هينا لينا و يتضح هذا فى قوله لأخيه عندما شدن من رأسه ( يا ابن أم لا تأخذ بلحيتى و لا برأسي) رغم أن هارون أكبر سنا من سيدنا موسى
كما أنه يتميز بالحكمة و الصبر عند دعوته لأخيه موسى بابن أم و هى أقرب لإثارة الشفقة و تهدئة الغضب عند سيدنا موسى و أيضا تتضح حكمته وصبره فى دعوته لبنى إسرائيل وقت الفتنة وشجاعته محاولا أن يجمع بني إسرائيل مذكرا إياهم لدينهم رغم الاضطهاد الذى واجهه لدرجة محاولتهم قتله (قال ابن أم إن القوم استضعفونى و كادوا يقتلوننى)
بتلك الصفات كان لابد لموسى القوي ذي الشدة و الحزم أن يختار أخيه و يزكيه ليستطيع معه إنجاز المهمة العظيمة فالقائد الفطن يبحث فى الفريق عمن يعينه على قيادة الفريق و تماسكه
و هذا كان واضحا عند عودة سيدنا موسى من ميقات ربه و وجد القوم قد فتنوا فأخذ برأس أخيه يجره مندفعا معاتبا غاضبا لله ( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمرى)
و لكن حكمة وصبر و حلم سيدنا هارون بالبقاء معهم دون اللحاق بأخيه و هو الأسلم في عدم التفريق بين بنى إسرائيل (إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل و لم ترقب قولي) فوجود قائد هو السبب الرئيسي فى الحفاظ على الفريق حفظاً للوصية ( أخلفنى فى قومى و أصلح و لا تتبع سبيل المفسدين)
هارون كان الوزير الهين اللين الحكيم و المعين فى الحق والبطانة الصالحة لأخيه الأصغر القائد شديد الغضب و الحازم
وهنا نرى أن من الحكمة أن يبحث القائد عن مهارات مختلفة و صفات تتكامل مع أفراد الفريق و أن يتخذ قائد الفريق البطانة التى تعينه و تصوبه لا البطانة التى تداهنه و تغريه بالباطل للحصول على النفع والوصول للهدف المنشود مع الفريق فلو وجد القائد الفاسد بطانة صالحة ما تجرأ على الفساد و كذلك وجود البطانة الفاسدة تدلس على القائد الصالح و تغويه و إذا ما اجتمع القائد الفاسد و البطانة الفاسدة فتلك مفسدة و أي مفسدة
اللهم ارزقنا الصحبة الصالحة التى تعيننا على الحق و إقامة العدل
محاسبة المسئولين
لماذا أخذ سيدنا موسى برأس أخيه يجره مندفعا معاتبا غاضبا لله و هو يعلم صفات أخيه و هو من اختاره ؟!!!!!
رغم ثبات هارون على الدين والقيم والصفات التى يعلمها سيدنا موسى و علمه أيضا بأن بنى إسرائيل هم من فتنوا و السبب هو السامري ورغم كل هذا فأول من وضعه سيدنا موسى فى دائرة الاتهام و اللوم هو هارون وهنا دلالة عظيمة و هي البحث عن المقصر فى أداء المهمة الموكلة إليهم
( أخلفنى فى قومى و أصلح و لا تتبع سبيل المفسدين) هذة وصية سيدنا موسى لوزيره هارون فكان لزاماً التحري و التأكد من عدم التقصير (و ألقى الألواح و أخذ برأس أخيه يجره) نعم فهذا المسئول الأول ونائب القائد و خلفه في غيابه ليتأكد من عدم تقصير أخيه فالأمانة فوق كل صلة و إن كانت الأخوة فشرح هارون بحكمته و بلينه و صبره على شدة أخيه و غضبه كيف حاول توجيههم و دعوتهم إلى أن وصل الأمر بهم إلى محاولة قتله فلما تأكد من حفظ أخيه للوصية و تحمل المسئولية على أكمل وجه توجه للمذنب الحقيقي و هو السامري يحقق معه و يستجوبه (فما خطبك يا سامري) فعاقبه بطرده من الفريق و أن يقول لمن يصادفه لا مساس أي لا يلمسه أحد و لا يلمس هو أحدا
هكذا الأمناء على المسئولية فكلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته فمحاسبة المسئول وعقابه على تقصيره أولى من معاقبة الأفراد فحل المشكلة من الجذور أولى من إعطاء الفرص للمقصرين .
تكريم المجدين :-
ان من اسباب تماسك الفريق هو الاشادة باعمالهم وتشجيعهم و تزكيتهم و تحفيزهم والتحدث باسم الفريق دائما و عدم الاستحواذ على انجازاتهم و الصعود على اكتافهم
و يتضح هذا فى تزكية سيدنا موسى لاخية (و أخى هارون أفصح منى لسانا) فاعترافك بقدرات الاخرين و تزكيتهم على الدوام يحفزهم على مزيد من العطاء و الصبر على تحمل تبعات الوصول للهدف المنشود
و اعطائهم الفرص ليمسكوا بدفة القيادة يرفع من ثقتهم بانفسهم و يصقل من مهاراتهم مع توجية النصح لهم و ارشادهم ( أخلفنى فى قومى و أصلح و لا تتبع سبيل المفسدين)
مكافئتهم على الانجازوشكرهم علية يحفز الافراد على الانتاجية ( ربي اغفر لي و لاخى و ادخلنا فى رحمتك) و أي مكافئة اعظم من سؤال نبي من اولى العزم للمغفرة و الرحمة لة لاخية
التحدث باسم المجموعة كي تعزز شعورهم بالانتماء و انهم جزء مهم بالفريق فيزيد من الانتاجية و يسرع فى الوصول للهدف المنشود (كي نسبحك كثيرا *و نذكرك كثيرا *انك كنت بنا بصيرا)
لقد كان برنامج مثري فتح لنا افاق لو نكن نعيها و لم يخطر لنا ان نفكر بتلك الطريقة الرائعة التى تجسد حديث نبي الرحمة صلى الله علية و سلم فعن أبي موسى الأشعري τ قال: قال رسول الله ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه. فلن تحقق الاهداف المرجوة بلا فريق يتكاتف و يسعى من اجل الوصول اليها.شكرا للاستاذ الفاضل عبد الناصر الصايغ الذى اثرى الجميع بخبراتة القيمة .