العمامة العمانية – اسمٌ ورسم
علي بن مبارك اليعربي
العيد وعمامة البالون لدى شبابنا.
لكل قُطر من أقطار العالم سِمة تميزه عن باقي الأمصار والأقطار، وتختلف ثقافته، وحتى في القطر الواحد هناك تباين واختلاف في العادات والتقاليد يكاد يُعرف بها ويتميز عن غيره من حيث اللباس واللهجة وحتى اللكنة عند التحدث، فبمجرد النطق يُعرف من أيّ بلد هو، ويصل الأمر إلى وجود اختلاف وتباين حتى بين القبائل، لذلك تنطبع تلك العادات والتقاليد وترتسم تلقائياً ولا شعورياً.
وعماننا الحبيبة تتميز بالدشداشة والعمامة (المصر العماني). كما يوجد اختلاف طفيف في الدشداشة والعمامة العمانية من محافظة إلى محافظة، ويصل أحياناً ذلك الاختلاف بين الولايات، وتحمل مسميات تلك الولاية، على سبيل المثال لا الحصر: الدشداشة الصورية، والعمّة الصورية والسعيدية وغيرها، فأصبحت الدشداشة والعمامة العمانية تمثلان لابسهما وتُعرف به وما زالت، لولا انتشار مسميات عصور على عصرنا الحاضر أطلق عليها عصر الموضة والإتكيت، وعصر الحداثة والتجديد، وهي ليست إلا عصر الاتكالية وقلة الحيلة. أما الموضة والإتكيت فهما ثقافة شعوب، نعم يحدث فيها التجديد والإبداع بما لا يمسّ هوية تلك الشعوب وتجعلها محافِظة على مُسمياتها بأنامل أفرادها، ولن يتأتّى ذلك إلا إذا استشعرنا خطر الاتكالية وقلة الحيلة. فهي من أوصلتنا إلى عمامة البالون، وأصبح أبناؤنا وأمسوا يقفون لساعات طويلة في طوابير أمام محلات تلبيس العمائم، وكل ذلك لنيل شرف لبس عمة البالون أو ما نسميه: المصر، والذي لا أجد أنسب من هذا الاسم لها. فالبالون هو من يرتدي العمامة (المصر) صاحبها فقط يتكفل بحملها مع البالونة والمحافظة عليها لأنه يُعرف بها وليست هي من تُعرف به، فهذا للأسف ما آلت إليه الأمور.
*فمن المسؤول عن عمامة البالون؟*
من وجهة نظري المتواضعة أستطيع الجزم أن من يتحمل هذه المسؤولية هو الفرد نفسه، فعندما يصل إلى مرحلة حُبّ التزيّن والرغبة في الظهور بمظهرٍ يجعل منه مميزاً بين أقرانه، يبدأ بتقليد من يكبرونه سنّاً ليصل بأناقته إلى استحسان الآخرين وسماع الإطراء والمديح منهم، ويبدأ البحث عمّن يوصله لذلك. من هنا نتعرف على من يتقن مهارة الاتصال مع الذات والاتصال مع الآخرين. فمهارة الاتصال مع الذات تدفعه وبقوة للاتصال بالآخرين، ويقال إن مهارات الاتصال من أهم عوامل النجاح المهني للفرد، بحيث تمثل 85% من نجاحه المهني. فقد نجد أناساً مُجيدين علمياً، لا يملكون تلك المهارة التي يمتلكها من لم يتجاوز علمياً المرحلة الابتدائية، بل ولا حتى يجيد القراءة والكتابة. ويعود ذلك إلى أن المهارات العلمية والمهنية تمثل فقط 15% – من مهارة الاتصال الفعال التى تصل بالفرد إلى القدرة على إنجاز الأهداف بالشكل المناسب. ومعرفة الفرد بنفسه والآخرين من حوله – حيث يقتصر دور الأسرة والمجتمع من حولنا في الأخذ بأيدينا لنصل للمهارة والإتقان، ولن يتأتى لنا ذلك إلا إذا تعلمنا ولن نتعلم إذا لم نجد الرغبة في التعلم، فهي أول محركات كسب المهارة لنصل لحد الإتقان، وتنشأ الرغبة من إدراك الحاجة إلى اكتساب المهارة والوعي بأهمية تعلمها للعمل بها حتى تصبح عادة نقوم بها لا شعورياً. أما الركون للاتكالية وقلة الحيلة وإيهام أنفسنا بأننا غير قادرين على تحقيق ذلك يفقدنا الرغبة حينها ويجعلنا نهمل ثلاثة مقومات أساسية لاكتساب وإتقان المهارة المطلوبة وهي: (الرغبة والمعرفة والممارسة)، فغياب الرغبة يحول دون اكتساب المهارة، والتعلم من غير تطبيق لا يفيد كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: *(ليس العلم ما حُفظ، إنما العلم ما نفع)* وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف *(وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقا)* متفق عليه.
فالتعلم واكتساب المهارة سلّم إذا ما رغبنا فيها وهو أربعة مراحل:
١- مرحلة اللاوعي واللامهارة.
٢-مرحلة الوعي واللامهارة.
٣- مرحلة الوعي والمهارة.
٤- مرحلة اللاوعي والمهارة.
وإلا فكيف تعلّم الوافد الذي يلبسك العمامة في المحل رغم أنها بعيدة كل البعد عن ثقافته، لكنه رغب في تعلمها ليتكسب من ورائها، وساعَده في ذلك التقاعس والاتكالية التى رآها للأسف في أبنائنا وعمل على استغلالها رغم ما ورثناه من آبائنا وأجدادنا من أمثال وأقوال تدفعنا للهمة والنشاط وعدم الاتكالية ومنها ما يقول *(الذي يأكل الزاهب قليل المذاهب)* ومثَل آخر يقول *(الذي يتكل على غيره يقل خيره)* وهذا يعنى أنه يجب علينا ألا نعتمد على الآخرين، ولا يعنى ذلك أننا نرفض مساعدتهم والتعاون معهم، بل لأن الاعتماد على النفس فطرة إنسانية والانخراط في المجتمع واكتساب مهاراة التواصل معه أمر جُبل الإنسان عليه. ولأن ديننا الحنيف يُعلمنا الاعتماد على النفس، لأن المسؤولية في نهاية المطاف فردية، وأن ليس للإنسان إلا ثمرة عمله؛ ودليل قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾(النجم:39-40).
قال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾(البقرة:286). 2- وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾(المدثر:38).3-
لذا وجب على كلّ منّا الاعتماد على نفسه، وعدم إلقاء المسؤولية على غيره، أو الاعتماد على الآخرين،
فكُن فطناً ابني الغالي وانتبه، لأن تمصورة البالون ثقافة مغلوطة فاحذرها.