سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
مقالات صحفية

مَراتب الصوم والنفس

د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي

النفسُ البشريةُ عبارة عن الجّزء المجرد والخفيّ من الإنسان، وهي غائبة عن العِيان، ولكن يُستدل عليها من خلال آثارها الحيّة في الأجسام والأبْدان، وللنفس الإنسانية مراتب حددها الشرع الحنيف من قرآن وسنة نبوية شريفة، وبهذا تكون هذه النفس واحدة، ولكن لها أحوال ومراتب، فتارةً تكون النفس في أدنى منزلة ومكانة، وتارة أخرى تكون في أعلى مراتب الترقي والازدهار.

والصوم نفسه ليس بنفس الدرجة عند الجميع فهناك تقابل لمراتب الصوم مع مراتب النفس، فبحسب تقسيم الإمام الغزالي لمراتب الصوم فإن هناك صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص، فصوم العموم امتناع عن الطعام والشراب والشهوة، أما صوم الخصوص فهو صوم الجوارح وكفها عن ارتكاب الآثام، وأما صوم خصوص الخصوص فيعني صوم القلب وسُمُوّه عن الصفات الدنية، وامتثال اليقين الكامل، وتعلّق القلب بين الخوف والرجاء، فهناك من يصوم وصومه ممزوجا بارتكاب المخالفات، وذلك يقابل النفس الأمارة بالسوء، وهناك من يصوم ويشعر بالندم على ما ارتكبه من آثام، وهذا يقابل النفس اللوامة، أما من يصوم بجوارحه وقلبه ولسانه راجيا الأجر والثواب، وينتعش قلبه بالروحانيات والتأملات فهذا يقابل النفس المطمئنة، وكيف لا والصوم يعود النفس الإنسانية على شكر الله بشكر نِعَمِه سبحانه؛ وبهذا يتحقق صلاح الحال والسلام الداخلي بين المرء ونفسه، وبينه وبين ربه، والحقيقة أنّ علماء النفس والصحة النفسية كل يوم في جديد فيما يخص اكتشاف المعاني النفسية للنفس الإنسانية، تأثرا بالصيام، والتربية النفسية التي تتحقق بفضل الصوم.

إنّ هناكَ ثمة دوافع نفسية تحرك كل فرد منا، منها ما هو أساسي؛ كالحاجة للهواء والطعام والشراب والشهوة، ومنها ما هو غير ذلك من هوى النفس ورغباتها، وهذه الأمور تتصارع وتتكالب داخل النفس، قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)}-[سورة الشمس].

ويريد المولى عز وجل بنا الخير دائما قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)}-[سورة النساء].

وكأن الله عز وجل يريد أن يبين لنا أنه لابد من الوصول لمرتبة عُليا من أحوال النفس وهي النفس المطمئنة، ويتأتى ذلك حتما بتفعيل آثار الصوم كما ينبغي، فكلما ارتقت درجة الصوم ارتقت معه مرتبة النفس الإنسانية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights