2024
Adsense
مقالات صحفية

مقال : يتدافع الناس فيهلكون

أحمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

يعيش جميعنا تدافعاً بلا توقف، تدافعا يفضي إلى الكثير القضايا اليومية، وإلى كثير من الاختلاف والتمزق، كما يحدث تصادما بلا هوادة، وقلقلا يعفر جبين هذه الحياة التي يراد لها من خلالنا أن نعمر الأرض وأن نلبسها مسطحا خضريا على إمتداد الأفق، وأن نحي الأنفس التي تقترب من الموت، وأن نجعل الحياة تأخذ زخرفها، وتزيد من صور احتفاليتها، وأقل ما يمكن فعله في هذه  العجينة اليومية أن نقف داخل حدود دوائرنا الخاصة، وأن لا نفتعل المواقف لنبرر مختلف سلوكياتنا التي نتصادم بها مع الآخرين من حولنا، لأن الزمن يقف أمامنا بالمرصاد، فلا يعطينا نفس المراجعة، حيث يقوم بتقصي أعمارنا، واغتيال سباتنا،  وامتحان إرادتنا، حيث يضعنا في حالة اختبار دائمة، وحالة استنفار دائمة، وهذه الحالة هي التي تجعل من هذا التدافع حالة مرتبكة لدينا، حتى نفقد خطواتنا الموزونة، وتأتي أفعالنا ناقصة، فيضيع منا جمال الأشياء، ونفقد متعة الحياة، وبدلا من أن نستمتع بها، ونوهبها لمن حولنا – كما هو الواجب الإنساني – نظل على صراعاتنا الدائمة التي تتحول بفعل الممارسة الى صراعات أزلية، لن تنفك دواعيها، وإن خالطها الإفتعال في كثير من الأحيان.

هناك من يرى أن الحياة بفعل تقدمها المادي هي التي تفرض على الناس هذا الواقع؛ شاؤوا ذلك أم رفضوا، وأن جملة المحفزات التي تتشكل بين فترة وأخرى تزيد من فتيل الزيت اشتعالا، وذلك للوصول إلى حياة، حسب التقدير، أفضل وأجمل، وتحقق كل مطالب حياتنا ورغباتنا، وتحقق طموحاتنا وآمالنا، وينقضي العمر، وما يتحقق لا يكاد يساوي ربع الجهد الذي بذل، حينها تظل خسارتنا دائما ومستديمة، وتأتي الأجيال تلو الأخرى، وهي تعيش هذا التدافع، أو الصراع، وعلى امتداد الأجيال يظل المنجزون قلة، وهم غير المساهمين في هذا التدافع المحموم بصورته المادية المباشرة، فقد استحوذت عليهم غرفهم المعززة بجدرانها الأربعة، فكانوا خير من يهدي البشرية ما تستحق، فيهبون الحياة عمرا آخر، دون أن ينالوا من حقوق الآخرين شيئا، ولو بمقدر مثقال ذرة، فطوبى لهذه الأنفس الطاهرة.

ومع ذلك، يقتضي الفهم أن التدافع يعبر عن حالة صحية في وسط الحياة الإنسانية، ذلك أنه يعبر عن همم لن يكون لها موطئ قدم إلا بهذا التدافع، فالسكون لن يوجد حالة من العمل، بقدر ما يعكس حالة من البيات الدائم، وكلا المفهومين مرتبطان ارتباطا عضويا، فالحياة لن تتحقق بكامل مكوناتها إلا بوجود قلق ما عند من يعيشها، والقلق يحتاج الى حياة لكي تفضي نتائجه الى متطلبات الحياة ويتحقق الكثير مما ينتظره الناس، ويحلمون بتحقيقة، إلا أن هذه الحالة الصحية كثيرا ما تدخل في معترك التصادمات، سواء تصادم المصالح الشخصية، أو تصادم الأفكار والآراء، أو تصادم الذوات وقدرة أحدها على تجاوز الأخرى، وتعيش الحياة حالة مستمرة من الحرب اللانهائية، حيث يدفع كثير من الناس ثمن هذا التدافع، وغالبا من يقع ضحية هذه التدافعات المختلفة هم الأضعف، والأفقر، والأجهل، حيث تظل كل هذه الفئات أداة تنفيذ لمخططات الأدهى، والأقوى، والمراوغ، والمنتهز، وتظل الصورة تراوح مكانها حيث مربعها الأول، دون أن تلغي المعرفة، أو التطور، والوعي الذي يفترض أن البشرية على إمتداد أعمارها التراكمية قد وصلت الى كثير من القناعات، وأهمها أن يعيش الناس في سلام، وأمن واستقرار، يحلمون بغد أكثر اشراقا، وحياة أكثر رحابة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights