الصوم والذكاء الخُلُقي
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
للذكاءِ الخُلُقي أهمّية كبيرة في المجتمعات، وله دورٌ واضحٌ في تحديد الشّخصية، وتحسين التعامل مع الآخرين في مواقف الحياة المختلفة، فالذكاء الخُلُقي يُعنى بتوظيف القناعات الأخلاقية للأفراد واتّباع السلوكيات الصحيحة دون توجيهٍ أو أوامر.
وحين فرض الله عزّ وجلّ علينا الصوم أمرنا بترك الشهوات والملذات، وكانت هناك حكمة عظيمة وبالغة من وراء الصوم لإصلاح أمور الدين والدنيا والتّرقّي بالنفس نحو محاسن الأخلاق، حيث قد جعل الله عز وجل مرتبة الإنسان مُكرّمة على سائر المخلوقات، وقد رفع الله سبحانه قدر الإنسان من خلال الصوم، وشبّهه من خلال ذلك بالملائكة وأحوالهم، حيث لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون، قال الله تعالى﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ سورة الأنبياء، الآية: 20، دليلاً على انقيادهم لأوامر ونواهي المولى عزّ وجلّ.
إن استراتيجية الصوم استراتيجية ربانية نحو توجيه الطاقات النفسية التي تثقل الإرادة النابعة من جانب عقليّ تفكيريّ يوظف المستوى الأعلى من الذكاءات، وأهمها الذكاء الخُلُقي الذي يُعدّ بمثابة حائط صدّ وسدّ منيع ضد كل ما هو غير أخلاقي وانحرافي، وتوجيه الطاقات والغرائز والشهوات وتنظيمها، بل والقدرة على التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ، والارتباط بإدراك ألم الآخرين والسيطرة على الدوافع السلبية والإنصاف للآخرين، فضلاً عن كيفية المرونة النفسية للفرد والمجتمع.
والصوم فريضة تقوم على الذكاء والإرادة، إذ لا يمكن للفرد القيام بالصوم إذا لم يوظّف القناعات والمعارف الأخلاقية، وقد برهن بعض العلماء على أن الصوم يرفع من مستوى الذكاء من خلال تأثير هرمون الجوع على الدماغ والذكاء، وتفعيل الجانب الأخلاقي وزيادة فهمه؛ ليصبح خُلُقاً مفعّلاً في الشخصية، قال الله تعالى في كتابه العزيز: “وإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ”. سورة القلم، الآية: 4. ولم يقل أخلاقاً عظيمة، فالخُلُق أعمق من الأخلاق.
وأخيراً فإن الصوم يؤثر على الخُلُق من خلال زيادة التقوى وهي الهدف الأسمى من الصوم، وكذلك تفعيل الضمير الأخلاقي وإعمال العاطفة وتحقيق العدالة واحترام الذات والآخرين واستشعار مراقبة الله في السر والعلن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” أخرجه أبو داوود وأحمد.
فاسعَى وانطلق، وكن صائماً متّسماً بالخُلُق، ويكفيك شرفاً أن الصوم إذا حقق فيك الخُلُق أصبحتَ بجوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة، حيث قال صلى الله عليه وسلم:
“أحاسنكم أخلاقاً أقربكم مني مجلساً يوم القيامة”، رواه الترمذي، فاستثمر صومك وووظف وقوّم معارفك وذكاءك في أخلاقك لتصبح خُلُقاً ومنهج حياة.