الصيام بنيان الإحسان
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
الإحسانُ هو المرتبة الثّالثة بعد الإسلام والإيمان، وهو قلبُ الإيمان وتمامِه، قال الله تعالى: “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” سورة النحل، الآية ١٢٨.. فالإحسان هنا هو فعل الخيرات وترك المحرمات، وفي الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري، حينما أتى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وسأله: “ما الإيمان؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”. والحديث الشريف هنا يرسم لنا الخريطة والمنهاج الواضح لضرورة هذا المقام من العبادات؛ وذلك بتحقيق الأداء وفقا لاستشعار المسلم لله عز وجل وقدرته وهيمنته كأنه يرى الله تبارك وتعالى رأي العين.
والإحسان في الإسلام هو إتقان العمل وبذل الجهد فيه ليخرج بأكمل وجه؛ لأنه يعلم أن الله يراه، فالمحسن يعبد الله كأنّه يراه ويشاهده ويطلع على أعماله؛ لذلك يفعل كل ما هو حسن، مع الإجادة في الصُنع والصنيع، والصوم من العبادات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالإحسان؛ حيث يُعلِّم الصوم السلام الداخلي واليقين بتحقق خشية الله في السر قبل العلن، إذ هو الرقيب والحسيب على نفسه، ولا سلطه عليه سوى ربه في المقام الأول ثم رقابته على نفسه.
وإذا ما تم النظر إلى هذا الأمر من الناحية النفسية فإنه يمكن القول بأن الإحسان هو ذلك الشعور المستمد من خلال تعود الفرد على الصوم الذي يكسبه الشعور بالاقتناع والرضا وعدم خداع الذات والإفصاح عنها بالرغبة الخالصة والإخلاص المتناهي، ولولا هذا الشعور الذي يغرسه الصوم لاستسلم الصائم لرغباته وشهواته وغرائزه من بطن وفرج ولسان، في ظل غياب أعين الرقباء، وسيطرة الذات الخادعة واختلط الظاهر بالباطن والحابل بالنابل، وتقديم الذات لمبررات وهمية دفاعية هدامة وخداعة، كما أن الهدف البعيد من الصوم في تحقيق الإحسان هو تحقيق صلاح القلب واستقامته والوصول لأعلى قيم التعبد؛ وبالتالي قيم الإتقان والجودة، والنظام والمراقبة والتقوى والانتصار على الشهوات الحسية والمعنوية، والجود بالنفس والمال والإنفاق الذي هو درجة عليا من الارتقاء بالروح وتحريرها، وبناء شبكة من العلاقات الاجتماعية ووحدتها في مواجهة الصعاب والمحن، فالإحسان هنا تقوية وتزكية وتكافل وإنفاق وزكاة وأخيرا هنيئا لمن علّمه الصوم العيش بنَفَسٍ إحساني، وهدف تحسيني وتطهيري.