ظواهر مجتمعية اندثرت.. فهل سيحييها شبابنا…؟
سعيد بن سالم الغداني
said2312009@hotmail.com.
ذكريات الظواهر الصحية والمبادرات المجتمعية ببلدنا التي كانت سائدة في المجتمع العُماني، والتي عشنا شخوصها مع من كان مصلحا ومؤثرا في المجتمع، ويحظى بمزيد من الحب والاحترام لدى فئات المجتمع، رغم تلاشيها برحيل من تبناها، وضحى من أجل استمرارها بماله وبمزيد من وقته وصحته وواجبات أسرته، لا يزال صدى هذه الذكريات خالدا في وجداننا، فكلما حاولنا نسيانها وشغلنا أنفسنا بما نعيشه من بحبوبة في حياتنا المعيشية وما ساقه لنا القرن ال 21 من علوم حديثة وآخر صيحات في عالم التكنولوجيا كالسوشل ميديا، والقنوات الفضائية وغيرها، إلا أن ذلك لم ينسنا لذة وسعادة ما كنا نستمتع به أيام زمان من جميل الأثر، وحسن المعشر، وصفاء القلب.
وهنا، وفي هذا السياق أتحدث عن تجربتي الشخصية مع ظاهرة ارتياد الناس بصفة يومية، وفي معظم ولايات سلطنة عُمان إلى مجلسي الشيخيين والعالمين الجليلين المرحومين بإذن الله تعالى، سعيد بن خلف الخروصي ( مساعد مفتي عام السلطنة سابقا)، بولاية مطرح، وسعيد بن حمد الحارثي في ولاية بوشر. أما زيارة الناس لهما خلال أيام عيدي الفطر والأضحى المباركين، فحدث ولا حرج، فبرغم اتساع المجلسين لمئات الناس إلا أن أعداد الزوار المهنئين للشيخين كأمواج البحر مغادرة وأخرى قادمة، وكانا يتعاملان مع زوارهما بحسن الاستقبال، وبوجهين بشوشين، ودماثة الخلق، وكرم الضيافة، فلا غرو في ذلك، فهما من أنبل المشايخ والعلماء الذين أنجبتهم الأرض العُمانية على مدى الحقب التاريخية.
في بداية الأمر عندما قررت ارتياد زيارة هذين الشيخين لأول مرة، جاء في خلدي شعور بأن زوارهما تجشموا عناء ومشقة السفر لأجل أخذ الفتوى في المسائل الفقهية، أو للإطمئنان على صحتهما نظرا لتقدمهما في السن ومعاناتهما من بعض أمراض العصر، ممتثلين بقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا)-رواه الترمذي. لكن بعد أن ساقتني قدماي، وأنخت ركابي، اندهشت بما شاهدت وسمعت! فوجدت العشرات من الناس بكل بالمجلس جاءوا لأغراض متعددة وليس للغرضين اللذين أسلفت ذكرهما، فهناك من جاء ليطلب حلا لمشكلته مع زوجته أو أبنائه أو إخوته، وجيرانه، ومنهم من جاء لطلب تفسيرا لرؤيا منامية، ومن جاء طالبا للعلم والتفقه في الدين، ومنهم من جاء لطلب الرقية الشرعية، ومن جاء ولديه بنات في سن الزواج وطالبا منهما القيام بدور الوساطة كهمزة الوصل بينه وبين من يرغب من الشباب من زواره في الزواج الشرعي بمهر زهيد، كما أن هناك من جاء للمجلسين طالبا المساعدة لبناء مسجد أو مدرسة للقرآن الكريم ببلده، سواء من سلطنة عُمان أو خارجها، فبالرغم من كثرة وتعدد هذه المطالب إلا أن الشيخين لا يدخران جهدا في تنفيذ رغبات ومطالب هؤلاء الزوار، مهما كان ذلك على حساب صحتهما ومالهما الخاص، ووقتهما الثمين، تأليفاً للقلوب وتوطيدا لأواصر الأخوة والصداقة بين الناس، ممتثلين في ذلك رسولنا الكريم؛ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس)- رواه الطبراني في الأوسط، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية…)-رواه البخاري.
أنني وفي هذا المقال المتواضع، وقد بدأ العد التنازلي لقدوم عيد الفطر المبارك أقترح على أبناء شيخينا الجليلين، أن يحيوا تلك الظاهرة والمبادرة المجتمعية الرائعة التي لا تزال عالقة في الأنفس، خاصة أيام عيدي الفطر والأضحى، أو أن تكون هذه التجمعات مرة في الأسبوع أو الشهر، ويفتحوا أبواب تلك المجالس للزوار لأجل اللقاءات التى تلم الشمل، وتؤلف القلوب، وتتبادل فيها الأفكار والآراء في مختلف مجالات وجوانب الحياة، فليس من الضرورة أن تعود هذه المجالس في مسقط أو خارجها للأغراض التي أسلفت ذكرها) كتفسير الرؤيا، وطلب فتوى المسائل الفقهية، والتوسط في الزواج، وغيرهما، فلكل عصر دولة ورجال، والله يقول: {…وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}-[سورة: يوسف].
هذا، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.