رمضانيات اليوم السابع عشر: إنه شهر الانتصارات
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،
فاعلموا أيها المؤمنون الأتقياء، فإن شهر رمضان المبارك هو شهر الدروس والعبر والفضائل العظيمة والبركات، وإنّه شهر الانتصارات، نصر الله فيه عباده في أول معركة في التاريخ الإسلامي في السنة الثانية من الهجرة في غزوة بدر الكبرى على عدو الله وعدوهم من المشركين، وسمّى الله ذلك في كتابه العزيز بيوم الفرقان؛ لأن الله فرّق فيه بين الحق والباطل. قال تعالى في سورة الأنفال:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)}.
لقد كان سبب هذه الغزوة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد بلغه أن أبا سفيان قد توجّه راجعاً من الشام إلى مكة المكرمة بعير قريش، فدعا النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أصحابَه إلى الخروج لأخذ تلك العير، فخرج عليه الصلاة والسلام وأصحابه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً يطلبون العير، ولا يريدون الحرب، ولما علم أبو سفيان بهم بعث رجلاً إلى قريش ليحموا عِيرَهم، وسلك طريقاً على ساحل البحر، وخرجت قريشُ بأشرافهم في نحو ألف رجل، ومعهم الفتيات يغنين بهجاء المسلمين، ونجا أبو سفيان بالعير، وأرسل إلى قريش ليرجعوا، فأبوا إلا الحرب، وجمع الله بين المسلمين وبين عدوهم، ووقعت المعركة، ونصر اللهُ المسلمين فيها. نعم أيها المؤمنون الأتقياء، لقد نصر الله الفئة القليلة التي تقاتل لإعلاء كلمة الله، وأذلّ المشركين.
وفي شهر رمضان كان حدث آخر في زمن الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ألا وهو فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، واستبدل الله لها مكانة عظيمة وما زالت خالدة، وأصبحت بلداً يُقام فيه التوحيد بدلاً عن الشرك، فلله الفضل والمِنّة على ذلك. وفي شهر رمضان كانت غزوة فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وأصبحت بلداً يُقام فيه التوحيد بدلاً عن الشرك، فأصبحت بلدُ الله الحرام، فلله الفضل والمِنّة.
فيا أيها الأحبة في الله فلنعتبر في مثل هذه المواقف، ولنراجع أنفسنا جميعا لنصلح حالنا أولاً لكي نتخلص من الضعف والهوان الذي وصلنا به كأمة الإسلام، ولنعلم يقيناً ما يلي:
– إنَّ الله لن يخذل عباده المتقين، الناصرين لله ولدينه القويم، وأنه سبحانه ناصرٌ دينه الحق مهما طغى الكفار وتجبروا، وقد بين سبحانه ذلك حيث قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}- [الحج: 40]. فعلينا معاشر المسلمين أن نتمسك بما أمرنا الله به، وننتهي عما نهى الله عنه، وأن نعتزّ بهذا الدين العظيم. قال تعالى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}-[آل عمران:200].
– علينا أن نستغل هذا الشهر الفضيل بالتضرع إلى الله تعالى بأن يعز الإسلام والمسلمين، وينصر المسلمين على أعدائهم الكفار، وقد علّمنا الله ذلك في كتابه العزيز من قصة سيدنا داود عليه السلام؛ حيث قال تعالى في سورة البقرة: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}.
– فلندع الله على الكفار الذين يؤذون المسلمين في كل بقاع الأرض، وليكن دعاؤنا عليهم بالهلاك، فإنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قد دعا على أربعةٍ من صناديد قريش، وهم: أبو جهل، وشيبة بن ربيعة، وأخوه عتبة، وابنه الوليد بن عتبة، فعن ابن مسعود س أن النبي – صلى الله عليه وسلم: (اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا)-رواه البخاري.
– كما لا ننسى أيها المؤمنون الأتقياء أن ندعو الله عز وجل بنجاة المستضعفين في كل مكان من بلاد العالم، وندعو الله على الكفار الذين يؤذون المسلمين، بأن يفعل بهم كما فعل بالأمم الطاغية التي قبلهم.
فاللّهمّ إنّا نسألك النصر الذي نصرت به رسولك وفرّقت به بين الحقّ والباطل، حتّى أقمت به دينك وأفلجت به حجتك، يا من هو لنا في كلّ مقام، اللهم نصرك المؤزر على الأعداء يا رب العالمين فعجّل به.