رمضانيات اليوم السادس عشر: شمِّروا وسابقوا إلى الخير
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،
فيا أيها المؤمن الورع، ألا تحب أن تكون ممن يشمِّر للمسابقة إلى الخير وإلى طريق الجنة في هذا الشهر المبارك؟!
فبلا ريب أنك تطمح في تحقيق ذلك بتوفيق الله تعالى وفضله؛ لذا أخي في الله استغل الفرصة واجتهد في كل عمل صالح يقرّبك لتحقيق ذلك الفلاح، وأنصح نفسي ثم أنصحك بذلك، وعلينا المسارعة والمجاهدة إلى فعل ما بوسعنا من الأعمال الصالحة، وذلك مصداقاً لقوله تعالى في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)}.
وكذلك علينا المسارعة والتنافس في الإنفاق، ومنها الإنفاق في سبيل الله، والنفقة في كل وجوه البر، ولا نستهين أو نحتقر من المعروف شيئاً ولو قلّ؛ بل نتصدّق ولو بالشيء اليسير، فقد روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا تحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)-رواه مسلم. وقال – صلى الله عليه وسلم: (لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ)- رواه مسلم
واعلم أخي الحبيب قد بينت تلك الآيات الكريمة أيضاً، العديد من الصدقات المعنوية ومنها؛
أ- كظم الغيظ: وقد جاء عنه – صلى الله عليه وسلم – في حديث معاذ بن أنس – رضي الله عنه: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ)- رواه أهل السنن.
ب- الإعفاء عن الناس: وله الفضل الكبير، فلا ينبغي علينا أن ننتقم لأنفسنا، وقد قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} -[الشورى: ٤٠]. وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم. ولما سُئلت عائشة – رضي الله عنها – عن خُلُقِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: (لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ)- رواه الترمذي.
ج-الإحسان: فلنكن من المحسنين؛ لنكون ممن يُحبهم الله كما وصفتهم الآيات الكريمة التي جاءت سلفا. فلنحسن في عبادتنا، ونخلص فيها لله، متبعين نهج القرآن الكريم وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقد قال – صلى الله عليه وسلم: (الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)- رواه الشيخان.
فما أعظمها مرتبة عظيمة! فلنحسن إلى كل أحد من عباده سبحانه، حتى الحيوانات عند الذبح، فقد عنه – صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)- رواه مسلم.
فيا أيها الصائمون، استغلوا هذا الشهر الفضيل، وسابقوا إلى كل خير، وإلى كل ما يقرِّبنا إلى الله ومغفرته وجنته. قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ …}-[الحديد, من الآية: 21]. فلنحقِّق ما نسمو به لمرتبة الإيمان بالله ورسله، وبما أوجبه الله علينا ممَّا أمر به الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، وننتهِ عمّا حُرِّم علينا، ونُكثر من التقرب إلى الله بالطاعات وبالنوافل، فإننا في شهر مبارك، قد فتحت لنا فيه أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار؛ فلنسارع ونسابق إلى كل طريق إلى الجنة، فقد قال – صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ)- رواه الشيخان.
رزقنا الله وإياكم ذلك الخير والبركة، وأعاننا على الصيام والقيام والبر والعفو والإحسان، وكل ما يقرّبنا إلى الله تعالى، والله الموفق والمستعان.