تحويل الأزمة إلى فرص… تحديات مؤسسات التمويل الأصغر
د. معاذ فرماوى
خبير التمويل الأصغر
farmawima@alj.com
رغم أن الأهداف الرئيسية لمؤسسات التمويل الأصغر هي أهداف تنموية؛ تسعي من خلالها إلى محاربة الفقر والبطالة، وتوفير فرص عمل من خلال تمويل المشاريع الصغيرة، وهو الوجه الجميل لمؤسسات التمويل الأصغر والذي يكتمل جماله إذا إتضح أن عملاء هذه المؤسسات هم الفقراء النشطين إقتصاديا، وأن هناك أعداد كبيرة من قصص نجاح متميزة ومتنوعة حققتها هذه المؤسسات مع عملائها؛ مما شجع على أن تُدعم هذه المؤسسات من الحكومات نظرا لطبيعتها وأهدافها.
ولكن هناك وجه آخر لهذه المؤسسات قد يبدو على غير الحقيقة، إنه مخالف للوجه الجميل السابق الإشارة إليه، لكنه في حقيقته ما هو إلا وسيلة للمحافظة على الأهداف النبيلة والوجه الجميل لهذه المؤسسات، وهذا الوجه هو الجدية المطلقة في متابعة تحصيل الأقساط، فرغم تقديم هذه المؤسسات تيسيرات للمتعثرين في السداد من عملائها لكنها لم تستطع إخفاء هذا الوجه؛ لأن كثير من العملاء لا يلتزمون بالسداد ويريدون الإستفادة من هذه التيسيرات بدون وجه حق؛ مما ينعكس بشكل سلبي ليس فقط على هذه المؤسسات بل أيضا على عملائها، حيث أن الخاسر الأول هم العملاء الذين لن يجدوا من يدعم ويساند وينمي مشاريعهم الصغيرة إذا سقطت هذه المؤسسات نتيجة تخلفهم عن السداد، فنجاح مؤسسات التمويل الأصغر في إستمرار تقديم خدماتها وفي المساهمة في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية يعتمد على تغطية تكلفة تمويلها للمشروعات الصغيرة من خلال إسترداد أموالها من المقترضين، إضافة إلى تحقيق فائض يمكن إعادة استثماره لتطوير المؤسسة والوصول لمستفيدين جدد والذى لن يتحقق إذا توقف العملاء عن السداد.
إضافة لما سبق، فإن العلاقة بين مؤسسات التمويل الأصغر وعملائها تتصف بأنها علاقة مركبة ومتداخلة، فهي طويلة المدة وبها إتصال مستمر، وتحتاج لمعرفة شبه كاملة ودقيقة بالعميل، كما أنها علاقة إئتمانية موثقة بمستندات، وهى أيضا علاقة متشعبة مع أكثر من طرف، منهم أهل العميل والعاملين بمشروعه وتتسم بالمنازعة والتقاضي، لذلك فهي علاقة غير تقليدية ومؤثرة على حياة وسمعة ومستقبل العميل، وقد يكون جزء منها بالشرطة والمحاكم، وهذه العلاقة بهذه الطبيعة تمثل وقودا يمكن فى أي لحظة أن يشعل فتيل الأزمات مع العملاء.
لذلك ففي حالات ليست بالقليلة تنشأ أزمات بين مؤسسات التمويل الأصغر وعملائها المتخلفين عن السداد؛ والذين يؤثرون سلبا على قدرة المؤسسة على تمويل عملائها بشكل مرضي نتيجة عجز السيولة النقدية الناتج عن ذلك، إضافة إلى التأثير السلبي لذلك على مؤشرات الأداء؛ مما يضعف قدرة المؤسسات على الحصول على التمويل اللازم من جهات التمويل، كالبنوك للقيام بدورها في تمويل المشاريع الصغيرة، وخاصة إذا زاد حجم التخلف عن السداد ونشأ عنه خسائر كبيرة لهذه المؤسسات، كما أن طبيعة العلاقة بين الطرفين السابق الإشارة إليها تنشأ دائما نوعا من التوتر بينهما، وغالبا ما تتفاقم هذه الأزمات عند دخول أطراف ذو مكانة اجتماعية وسياسية في الهجوم على مؤسسات التمويل الأصغر وبلا وعي لدور هذه المؤسسات في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وما يشكله هذا الهجوم من خطر على عملاء التمويل الأصغر أنفسهم قبل المؤسسات، فعدوى التخلف عن السداد تنتشر بشكل سريع بين العملاء، وقد لا تتسبب فقط في إنهيار المؤسسات التي تعاني من زيادة المتأخرات بل قد تُسقط قطاع التمويل الأصغر بأكمله، وقد ينتج عن دخول هذه الأطراف في الأزمة عناد العملاء وزيادة هجموهم على مؤسسات التمويل الأصغر، بل قد يصل الأمر في بعض الحالات إلى إعتداء بعض العملاء على موظفي هذه المؤسسات لشعورهم أنهم على حق نتيجة مساندة هذه الأطراف لهم.
ومما لا شك فيه أن هذه الأزمات وللأسباب السابق ذكرها لا يمكن أن تنتهي، ولكن يمكن تحجيمها والحد من تأثيرها إذا اتبعت مؤسسات التمويل الأصغر إرشادات عامة نذكر منها ما يلي:
1- وجود إدارة علاقات عامة تتميز بكفاءة عالية في توضيح أهداف مؤسسات التمويل الأصغر التنموية وعدم إستهدافها لتحقيق أرباح، وأن الأرباح المحققة تستخدم فقط في دعم مشاريع العملاء، وتوضيح الآثار السيئة للتخلف عن السداد علي العملاء قبل المؤسسة.
2- إلتزام المؤسسات في جميع تصرفاتها وردود أفعالها بالقانون وعدم الحياد عنه مهما كانت تصرفات العملاء.
3- توثيق جميع الإتصالات مع العملاء لمنع تجني العملاء على المؤسسة.
4- السعي إلى وجود إتحادات قوية تمثل هذه المؤسسات وتسعى لسن قوانين لحمايتها وموظفيها.
5- إنشاء نقابة مهنية للعاملين في هذه المؤسسات.
6- دعم الإدارات القانونية بهذه المؤسسات بالكفاءات القانونية اللازمة للحفاظ على حقوقها وحقوق العاملين بها.
7- التواصل المستمر مع العملاء لشرح دور المؤسسات في تنمية مشاريعهم.
8- السعي لإنشاء لجنة تمثل هذه المؤسسات في المجالس النيابة.
9- تصميم منتجات تحصيل مرنة تراعي ظروف وطبيعة مشاريع العملاء عند تحديد تواريخ استحقاق الأقساط.
إن أخذ مؤسسات التمويل الأصغر ما سبق في الحسبان سيقلل مواجهتها لأزمات سواء مع عملائها أو رجال المجتمع والإعلام والسياسة، ولكن لن يمنع حدوثها خاصة في فترات تدهور الأحوال الإقتصادية وتوقف العملاء عن السداد، وعليها أن ترى هذه الأزمات فرص يمكن الإستفادة منها ودعاية مجانية لها من خلال قيامها بحملة تسويقة موجهة لتوضيح أهدافها وطبيعتها مع التركيز على ما يلي:
1- إجماع الاقتصاديين وخبراء التنمية الإجتماعية على أهمية دور نظام التمويل الأصغر وفعاليته في محاربة الفقر.
2- توضيح عدد المستفيدين من مؤسسات التمويل الأصغر على مستوى العالم والدولة والمؤسسة صاحبة الأزمة.
3- دور هذه المؤسسات في تنمية القطاع الخاص وحل مشكلة عدم قدرة أصحاب المشاريع الصغيرة على الوصول للمؤسسات المالية الرسمية.
4- دور مؤسسة التمويل صاحبة الأزمة في تحسين ونمو المشاريع الصغيرة مع الإستدلال بأمثلة عملية موثقة بالأرقام.
5- الشروط الائتمانية الميسرة والضمانات البسيطة التي تطلبها مؤسسات التمويل الأصغر والتي تناسب قدرات أصحاب المشاريع الصغيرة.
6- دور نظام التمويل الأصغر كأداة فعالة للتنمية الإقتصادية والتي تساعد على الحد من الفقر وتوفير وظائف دائمة للأغلبية الفقيرة.
7- دور نظام التمويل الأصغر كوسيلة فعالة لتمكين النساء ومساعدتهم على الإعتماد على النفس وإحداث التغيير الاقتصادي الإيجابي.
8- إعتماد نجاح مؤسسات التمويل الأصغر في المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية على قدرتها على تغطية تكلفة تمويلها للمشروعات الصغيرة من خلال قدرتها على إسترداد أموالها من المقترضين، إضافة إلى قدرتها على تحقيق فائض يمكن إعادة استثماره لتطوير المؤسسة وزيادة رقعة خدماتها.
9- إن عدم سداد العملاء لأقساط القروض يؤثر سلبا على استدامة مؤسسات التمويل الأصغر؛ وبالتالي عدم تحقيق أهدافها الإقتصادية والإجتماعية.
10- التسهيلات التي تقدمها مؤسسة التمويل صاحبة الأزمة للمتعثرين في السداد بشكل تفصيلى مع ذكر أمثلة عملية مؤيدة وموثقة بأراء العملاء أنفسهم ويفضل أن تكون فى شكل أفلام مرئية عن العملاء المتعثرين الذين ساندتهم المؤسسة بعد أخذ موافقاتهم على التصوير والعرض.
11- أن المصاريف التشغيلية لنشاط التمويل الأصغر أعلى بكثير من البنوك؛ ولذلك فمن الطبيعي أن تكون سعر الفائدة أعلى.
إن توضيح ما سبق بشكل جلي كفيل بتحسين صورة مؤسسات التمويل الأصغر لدى المجتمع بشكل عام والعملاء بشكل خاص، كما أنه سيساهم بشكل كبير في تحويل هذه الأزمات إلى فرص حقيقية تستطيع من خلالها هذه المؤسسات الترويج لأنشطتها والتعريف بدورها الإجتماعي والإقتصادى في محاربة الفقر، وخلق فرص عمل حقيقية للفقراء وخاصة السيدات منهم، كما أنه سيحول الضغط الذي تتعرض له هذه المؤسسات لدعم فعال من جميع فئات المجتمع.