الصوم وإدارة الذات
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
يحتاج الإنسان على الدوام لأن يكون منظمًا ومرتبا؛ فإدارة الذات هي البوصلة الموجهة للذات لكيفية التحكم في المهارات والقدرات والمشاعر والأفكار، فتتحدد الأهداف بكفاءة وفعالية ثم تتخذ خطوات جادة نحو تحقيق هذه الأهداف، ومن أهم سمات إدارة الذات هي تحمل الفرد للمسؤولية والشعور بالدور الاجتماعي والتغيير وفقا لما يطرأ من تغيرات محيطة.
ولكي تحقق إدارة الذات الأهداف المنشودة منها لا بد من وجود دليل عملي وبرنامج معد بفعالية وحكمة وإتقان، ومصاغ فيه نقاطه وموضوعاته وآليات تنفيذه؛ ومن هنا كان الصوم بشعائره تدريب وليس تعذيب، فالصائم بحق يدرك أن الصوم دورة تدريبية للتطوير الذاتي والتغيير، يتدرب فيها على العزيمة والجهاد وتقوية الإرادة، وتنظيم الذات بإتيان النوافع وترك الضرر، ويتحدد ذلك بتوقيت محدد ومتكرر لاكتساب غايات عظمى ومهارات وقدرات كبرى ترسخ شخصية مسلمة راقية؛ لذا لا نجد صائمًا أدى صيامه بحق إلا وقد تخرج من مدرسة الصيام قائدًا إداريًا لذاته وللآخرين، ولديه من العزيمة والقيادة والخبرات النفسية والشخصية ما يؤهله على الدوام لأن يتحمل مسؤوليات ويدير جلسات وحوارات، ويقود جماعات ويتخذ قرارات، وكل هذا في مضمونه قدرة على إدارة للذات، وهذا ما نود زراعة ثماره في الأطفال الصغار.
إن الصوم يلزم الصائم بمجموعة من السلوكيات والفنيات والاستراتيجيات بأهمية شحذ الهمة وإخلاص وعزم النية، وتهيئة الذات للبدء في إنجاز مهام محددة بسلام داخلي ورضا تام وتوزيع مهام، فيعمد الصائم على إداره ذاته في نواحي عدة؛ كالجانب الصحي من خلال إداره برنامج صحي يعود بالنفع على النواحي الجسمية لديه، وكذلك الجانب الروحي والمعنوي والشرعي، فينتظم في أوقات العبادة والذكر والعيش في الأجواء النورانية.
إن الصوم فن وترويض وإدارة وصياغة وصناعة للذات؛ فيخرج الصائم عن المألوف، ويغوص في بحر التعالي، ويحلق في أفق السماء العالي، فيصل إلى درجة من الكمال الإنساني؛ حيث من علامات نجاحات إدارة الذات أثناء الصوم الانشراح في الصدر والإقبال على العبادات، والشعور بالتوقف عن سلبية العادات التي تمنع من العبادات والطاعات.
وأخيرًا فإن الصوم فرصة حقيقية لاختبار قدراتك على إدارة ذاتك؛ فاثبت لها حكمتك في قدرتك على إدارتك وتحسين قدراتك.