همس الحنين
طيبة بنت سعيد المحرزية
قد تعيد لنا الأماكن التي مررنا فيها وعشنا فيها أجمل لحظات الطفولة التي هزنا إليها الحنين، والتي جمعتنا بأغلى أحبابنا في حياة بسيطة وهادئة، تبث فينا الأمل وتسعدنا، وفيها نتجاذب الأحاديث الجميلة والقصص القديمة التي يسردها لنا أبي رحمه الله.
أبي الرجل الطيب القلب الودود، كان مصدر الأمان، وكان اليد الحانية لنا، وكان الطبيب لجراحاتنا، لا يحب أن يرانا عابيسن في وجه الحياة، وكان لنا النور في الظلام الدامس، يحب أن يسعدنا في أدق التفاصيل رغم قسوة الأيام التي كان يصارعها، لطالما كان صديقي القريب لقلبي، فقد كان بالنسبة لي كل شيء، وكنا أنا وإخوتي الحياة كلها بالنسبة له، فكم أفتقد هذه الكلمة، وكم من اللحظات أتذكره فيها.
أعود بذاكرتي إلى الوراء لعلي أتذكر فيها كيف كنت أناديك “أبي”، وتقول لي “نعم ابنتي”، ولكن الآن ولو قلتها مليون مرّة فلا مجيب لي إلا صدى صوتي، أفتقدك وأفتقدُ حديثك وأفتقدُ كل لمساتك الحانية، كم زرعت في طريقنا الأمل والتفاؤل، وكم علمتنا الصبر على مرارة القدر وصراعات الحياة ودروسها، وكم عانيت يا أبي وتحملت ألم المرض وكنت صبورا، رغم الألم والأدوية القوية التي لا تطاق تحملت جرعات تلو الجرعات؛ فكنت جبلاً، بل كنت قويا في جميع خطواتك لم تتراجع إلى الخلف أبداً، وكانت عزيمتك كرياح تقتلع اليأس من جذوره. صحيح يا أبي لم تعيش طويلا وأنت تصارع المرض، ولكن بالنسبة لي أنت في قلبي ما زلت تعيش ولن أنساك ما حييت، لن أنسى نصائحك المستمرة ومواعظك الشيقة، وصبرك الجميل، وبذلك وعطاءك الكبير لي وإخوتي، رغم قساوة الأيام لم تجعلنا نحتاج إلى أحدٍ غيرك؛ فكنت السند لنا، وكنا نحن لبعضنا كما كنت؛ فنم قرير العين يا أبتاه حتى نلقاك -يا رب سوياً كما كنا- لا فراق ولا حنين ولا موت، فرحمة الله تغشاك يا أبي.