ألم يحن الوقت؟!
عبدالله بن حمدان الفارسي
لا يحق لنا البكاء عليك يا فلذة الكبد، وعار على بعضنا أن يتقبل العزاء فيك، كيف يكون ذلك وقد تم اغتصابك وأنت متكئة على أكتاف عروبتنا، وتنفضين عن لحية الضاد عار التصق بها، وتمسحين وشم الخزي عن جباه العروبة، لقد تجرد البلهاء من كرامتهم وعزتهم حين استباحوا شرفك، واستحيوا عزتك في براثنهم النتنة، وبعضنا في سبات سذاجته وبلاهته.
ماذا ألم بنا؟! أين همة الرجل العربي التي استوطنت كيانه واستحلت بواطنه؟!نعتذر منك أيتها (العزة) عن مسمى العربي، فالعُرب لم تعد كما كانت (بلاد العُرب أوطانا)، ولكن أتساءل أين منا؟ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ…}- [من الآية ١١٠ من سورة آل عمران ]. ألسنا أمة نصرة وجهاد؟!
كيف لنا ممارسة الفرح والمرح وفي دارنا عزتنا تذبح؟! وأي حمية شرف جعلتنا نشرع مداخل مضاجعنا لعدونا، ونبسط عقولنا له للعبث بها؟! لأجل ماذا نجرد كرامتنا بأيدينا من ثوبها؟ وننزع خمارها ونبيح كل ما لديها من ومن… ونحن نحتسي العار من كأس النذالة والخنوع معهم حتى الثمالة.
(غزة) صامدة وحدها في وجه العواصف الهوجاء، من كل حدب وصوب، تتلاطم بها أمواج التخاذل والنكران، إنها تئن، ليس من وجع الموت المحتوم، والجوع الممنهج والعطش وجفاف الحلقوم، إنها تبكي غدر الأب والأخوة والجيران، تذرف دما على قومية كاذبة واهية، كانت تتغنى بأهازيج الوحدة، وتتوشح برداء وا إسلاماه وا عروبتاه.
صمت رهيب ومعيب إزاء ما يحدث على المسرح الإسلامي العربي، وكأن هذه الأحداث ليس لها علاقة بجرح يؤلم خاصرة الأمة الإسلامية الذي ينزف، ويكاد نزيفه ذلك يغرق كل من حوله.
لقد أصابت عقولنا التخمة، من استنكارات بالية لا توحي برجولة ولا شموخ، وترهلت على إثرها مشاعرنا، فما عادت تستوعب هذا الموقف العالمي الخانع تجاه ما يجري في (غزة العزة) في فلسطين، في القدس إحدى القبلتين.
لقد تكالبت وتوحدت الصفوف المعادية والمناوئة للأمة العربية والإسلامية، ولم نأبه لذلك، ولم يحرك فينا قيد أنملة، وطالما وصل بنا الحال إلى أرذل حال؛ فمن الأجدر بنا أن نصمت ونفترش بساط الذل، ونلتحف رداء الهوان، ونُخرس ألسنتنا، ونكمم أفواهنا عوضا عن الشجب والاستنكار؛ فالصمت المخزي هو أولى بنا، وهو ما يليق لنا.
لم يبق في الحقل براعم تسر النظر وتبهج القلب، فقد جف البئر وتلوث قاعه بالجماجم، فآليات العدو لا تبقي ولا تذر، لا ترحم جنيناً ولا شيخا، ولا تميز بين مسلح وأعزل، فما تبقى سوى أكوام الحجارة خلف أسوار الحماية تنبعث منها رائحة لدماء زكية، هي أطهر من أجساد البقية. إن تحت الركام وجوه وأجساد بريئة نقية طمستها وعود الكذب والغدر، وأفواه أخرستها عقود البيع والشراء في غرف التواطؤ والخيانة.
لغزة إحدى الحسنيين، وعلينا التاريخ يشهد، وإن كذبت أفواه الرواة فالتاريخ سيلطمها، ماذا بعد أيها النحاة المتشدقين بالمظاهرات والتظاهرات؟ أليس لتاء التأنيث حق عليكم للنجدة؟ ألا للضمير الحاضر صوت يؤنبكم؟ ألا للغائب صلاة لتنطق بعدها بنادقكم؟ ولكن صدق القائل: ( لقد أسمعت لو ناديت حيًّا …. ولكن لا حياة لمن تنادي)!
غزة العزة أماطت اللثام عن وجوه كنا نحسبها سنداً وفخرا، ليس لغزة فحسب؛ بل للإسلام كافة، العروبة نواة للحق، ونور ينبثق من أعماق الأمة التي أعزتها النخوة العربية في الجاهلية، فلم ترضَ هواناً ولا ذلة، وأكرمها الله وأعلى شأنها بالإسلام بعد البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.