سيرة المؤذن المرحوم : خلف بن غريب بن سعيد الكيومي من ولاية الرستاق
درويش بن سالم الكيومي
يقال “من شبّ على شيء شاب عليه” وسوف أتحدث في هذا المقال عن سيرة المؤذن (خلف) رحمه الله وهو ابن العلّامة غريب بن سعيد بن خلف الكيومي الذي انتقل إلى جامع البياضة بقلعة الرستاق، ودرس القرآن الكريم والنحو على يد أحد الأئمة هناك حتى أصبح معلماً له مكانته الرفيعة، وقد عيّنه الشيخ ناصر بن محمد الغافري إماماً بجامع خفدي، وكان يقيم حلقات العلم في الجامع، وتبعد قريته عن خفدي 7 كيلومترات، كان يقطع المسافة سيراً على الأقدام في كل زيارة، حتى تقدم به السنّ وعاد إلى زولة، وظل يؤمّ الناس حتى وافاه الأجل. ويُعتبر أكبر معمّرٍ في ولاية الرستاق حتى الآن، توفّي عن عمر يناهز (136) سنة. رحم الله شيخنا الجليل وأدخله فسيح جناته.
عندما يكون الرجل من أسرة ملتزمة بالدِّين والخُلق النابع من البيت العائلي وسيرته الحسنة، فبكل تأكيد بأن الابن ستظل معه كل هذه الصفات الطيبة حتى مماته، والمؤذن رحمه الله ما هو إلا مضرباً للمثل الأعلى والقدوة الحسنة في زمانه أين ما حلّ وارتحلْ، لا تتغير أصالته ولا البيئة التي تربّى بها، فهو من أبناء قرية زولة بوادي بني هني من مواليد 1/1/1956م، وقد التحق بالخدمة العسكرية في عام 1974م، وأكمل في العمل مدة (16) سنة، ترك خلفه سيرة نبيلة وخُلقاً عالٍ بين زملائه، ولكن قدَر الله عليه بأن يتأثر بوعكة صحية ظلت تتضاعف معه وهو يتلقى العلاج في المستشفى حتى أُحيل إلى التقاعد بسبب العجز الطبي بتاريخ 1/1/1990م.
أتحدث اليوم عن مؤذن، ورجلٌ تراثيّ يميل إلى الطبيعة والتراث، ولديه خبرة في الأسلحة التقليدية، ويحتفظ بالقديم منها وبالخناجر ذات الجودة العالية، وكان العمل العسكري له بمثابة حبّ وعشق وهواية منذ الطفولة، حتى وصل ليوم التقاعد، ويعود إلى قريته الجميلة التي تبعد عن مركز الولاية (28) كيلومتراً، وقيل عنها بأنها آخر قرية تودّع غروب الشمس، وظل صوته يصدح بالأذان يتكرر خمس مرات في اليوم (حيّ على الصلاة) ما أجمل هذا النداء. وكان رحمه الله يتابع متطلبات المسجد من صيانة وتنظيف وغيرها من الأمور ، لقد وهب نفسه للعبادة وخدمة بيت الله والناس، وبعد فترة طويلة قضاها في زولة وفق الله عز وجل أبناءه بالعمل في القطاع العام، وبسبب وعورة الطريق وضِيق المسكن في زولة اضطر للانتقال إلى قرية حي السرح بالرستاق الحلة ذات الكثافة السكانية والقريبة من الخدمات، وأيضاً استمرّ برفع الأذان بقريته الثانية، ويتابع متطلبات وخدمات المسجد، ويحثّ الجيران على التعاون والتكاتف في الأعمال الخيرية. ورغم تقدمه في السن ومرضه، إلا أنه كان يجتهد برفع الأذان وزيارة الأقارب والأصدقاء، سواء كانوا في الأفراح أو العزاء، ويزور كل مريض في بيته أو في المستشفى.
وهو يحظى بمكانة عالية مع المشايخ والرشداء وعامة الناس، يحترم الصغير قبل الكبير، ترك خلفه سيرة طيبة.
وفي آخر أيامه اشتد عليه المرض، وألزمه الفراش بمستشفى الرستاق حتى توفاه الله عن عمر يناهز 68 سنة، يوم الثلاثاء 26/ربيع الآخر/ 1445 للهجرة، الموافق 6/2/2024 م وقد أوصى بأن يدفن في زولة أمام قبري والده ووالدته.
رحم الله جسداً طاهراً ونفساً طيبةً وخلقاً رفيعاً وابتسامةً جميلة.
رحم الله من تعلق قلبه بالمسجد وأركانه وقرآنه.
رحم الله صوتاً انتشر في ربوع القرية وكان سبباً في تذكير الناس بموعد إقامة الصلاة، أمثاله مات جسده ولكنه باقٍ في صوته الذي يتردد مع كل أذان، ويا كثر المودعين من الأهل والأقارب والأصدقاء والمعارف، أتوا من كل فج عميق لينالوا الأجر والثواب للمشي خلف رجل الدّين والأخلاق النبيلة والسمعة الطيبة والقدوة الحسنة.
اللهم ارحمه واغفر له وطيّب مرقده وأكرم نزله واغسله بالماء والثلج والبرَد، وافرش قبره من رياحين الجنة، اللهم آمين.