مقال : طقس نادر
مقال : طقس نادر
بقلم: مهنا بن صالح اللمكي
مرَّ علينا شهر رمضان في جميع فصول العام بحكم أعمارنا، عرفناه صيفاً ولم تكن الأرض تعاني فيه بعد من الإحتباس الحراري كما هو الآن ، وعرفناه حيث الطقس البارد الذي يزداد برودة في القرى والمناطق الجبلية ، عرفناه في مواسم الخصب ومواسم الجفاف والقحط ، كنا نحن أهالي الحجر أكثر حظاً ونصيباً من كمية الأمطار التي تسقط على البلاد خلال العام ، حيث المنخفضات الشتوية والتي تستمر لفترات طويلة آنذاك وأذكر في نهاية الثمانينات لم نر الشمس لمدة أسبوعين تقريباً بسبب المنخفضات المتتالية ، وفي الصيف لا يمر علينا أسبوعان دون أمطار تنعش الأجواء بعد الحرارة الشديدة جاعلة من مياه الأودية والغيول في جريان مستمر لعدة أشهر مكونة منتجعات طبيعية لأهالي السلطنة وزوارها.
وبعد مضي عدة سنوات وفي هذا العام من رمضان الخير والغفران نستقبل حالة نادرة الحدوث في الصيف عبارة عن منخفض شتوي عام في حالة ربيعية تتميز بقوتها نتيجة توفر العوامل الجوية كالتسخين وغيرها، آملين أن تكون بداية خير تعيدنا لتلك الأيام المطيرة والجميلة.
حدثني أحدهم عن سبب عدم ذهابه إلى القرية التي كان يسكنها إلا في المناسبات والأعياد قائلاً :ان الألم والحسرة تعتصره بعدما أصبحت خاوية من الاشجار وقد كانت جنة الله في أرضه كان الخصب والمياه العذبة وأشجار المانجو المعمرة تزاحم النخيل والليمون والتين والعنب وغيرها، حتى اللحوم وجني العسل من خيرات تلك القرية ..
وبعد حلول سنوات الجفاف ذهب كل شي أدراج الرياح كما هو الحال ينطبق على أغلب مناطق السلطنة ، ولو لم أكن عاصرت تلك الفترة بنفسي لقلت له إن ذلك من محض الخيال ، ففي حاراتنا الريفية لم يختلف الوضع في تلك الطفولة العابرة، حيث أتذكر أشجار المانجو التي نمر عليها ذهابا وآيابا لمدرسة القرآن لم تسلم من أيادينا المحملة بالحجارة، وبعضها يسقط في ساقية الفلج دون عناء ، ولم نسلم بعض الأحيان من المطاردات من أصحابها، لكن الشقاوة لا تعرف الخوف لنعاود الكرة في اليوم التالي.
الأمطار لم تعد كما كانت ، رحلت تلك الخيرات والأثمار جرفها الزمان في وادي الذكريات.
بإمكانك اليوم أن تشتري مالذ وطاب من ثمار المانجو وغيرها وقد عجت بها الاسواق والمجمعات التجارية بمئات الأنواع والأشكال من مشارق الأرض ومغاربها لم تكن تراها حتى في الأحلام.
لكنك حتماً لن تجد أشهى وأطيب من تلك التي قطفتها بيدك ذات يوم ، وأخذتها بشقاوة طفل أو جاءتك من قريب ما.