الطفل الذي ينتظر المطر
سهام سالم
بحثت عنه في أرجاء البيت، أين اختفى وأخذ فوضاه معه؟ تفقدت سريره، لم ينم فجأة كعادته في زاوية ما. أين ذهب الآن وهو طفل لا يطال حتى يد الباب لفتحه؟
رأيت باب المنزل الأمامي مفتوحا، ورأيته هو، بقميصه الأزرق، جالسا كملاكٍ صغير، صامتا بغرابة، موليا ظهره شطر الباب، محدقا في السماء وكأنه يراها لأول مرة!
تعجبت من هدوءه وسألته عم يفعله هناك وحيدا، فأجابني بكلنته الطفولية بأنه ينتظر المطر، ضحكت كإنسان كبير بما فيه الكفاية ليطلق أحكاما مطلقة بسذاجة. وأخبرته بأن المطر لن يأتِ اليوم.
– لماذا؟
الجو حار والغيوم بعيدة.
– لكنني أرى الغيوم هناك (وجعل يقلب نظره في السماء مشيرا إلى السحب المتفرقة محاولا أن يثبت لي أن المطر آتٍ عما قريب).
فقلت له: صحيح، ولكنها لا تكفي لأن يهطل المطر اليوم. يجب أن ندعو الله ليأتِ المطر
– وماذا سيفعل الله؟
سوف يجعل المطر يهطل.
– هل سنلعب ونذهب للوادي عندما يهطل المطر؟
نعم نعم!
ثم رفع يديه وعلمته كيف يدعو الله ودعوت معه، واقنعته بأن لا يطيل انتظار المطر، لأنه لن يأتي اليوم بل غدا، ولكنه تردد في الدخول للمنزل، شيء ما جعله واثقا بأن المطر سيهطل اليوم، وفي الحقيقة، لم تمر بخاطري أدنى فكرة عن احتمال هطول المطر هذا اليوم، إلا أن كل ما في الأمر أنني أردته أن يدخل اتقاءً لحرارة الجو فحسب.
وبعد مرور ساعة بالتقريب، جاءني فجأة يصرخ من الخارج راكضا، اصطدم بي ولم يكترث، عيناه تلمعان، وصوته يرقص بفرح عظيم وهو يخبرني بأن المطر حقا قد هطل. وحتى هذه المرة، لم أصدقه، وقلت له: لا لم يأتِ المطر.
ولكنه كان مصرا جدا بفرح طفولي عنيد لأن أخرج وأرى المطر، وخرجت معه، وندّت مني شهقة مفاجئة: إلهى العظيم، كان الصغير يحس بالمطر! لا يتطلب الأمر أن تشعر بالبعيد، بل أن تؤمن به.
“القلب يعرف أكثر مما يتصور العقل”
– نجيب محفوظ