التمويل الجماعي .. الاستثمار المختبئ بين يديك
إبراهيم الشيزاوي
في نوفمبر من عام ٢٠٢١ م، أعلنتْ الهيئةِ العامة لسوقِ المال على لسانِ رئيسها التنفيذي عن تفعيل نشاطْ التمويلِ الجماعي معَ إِضْفاءِ عدداً من التسهيلاتِ كإعفاءات مِن بعضِ الرسوم المتعلقة بممارسةِ هذا النشاط التجاري؛ وذلك لتشجيع مؤسسات القطاع الخاص وإستقطاب المُستثمرينَ من داخلِ السلطنةِ وخارجها للانخراط في هذا المجال الحيويُّ الكبير، كما أشارَ سعادة الرئيس التنفيذي، أنَّ تفعيلَ التمويل الجماعي ودعمهِ يأتي تنفيذاً للأهدافِ الاستراتيجية لرؤية عُمانَ ٢٠٤٠؛ لما لذلكَ من أثر كبير في دعم ومساندة روَّاد الأعمال لتمكينِهم من تحويل دراسات البحوث التجارية والأفكار الريادية المبتكرة إلى مشاريعَ صغيرة ومتوسطة تساهمُ في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي.
ما هو التمويل الجماعي؟
بكل بساطة، التمويل الجماعي هو: عمليةَ جمعِ أموالٍ صغيرة من مجموعات كبيرة من الافراد والكيانات التجارية المُرخصة عبر منصات إلكترونية تجمع بين المستثمرين وأصحابِ المشاريعَ الذين هم بحاجةٍ إلى تمويل مشاريعهم، وتكون تلك المنصات – المُنَظِّمة للتمويل – مُعتمَدة قانونياً ومُراقبة من قبل السلطات المحلية، والتي تتمثل بالهيئةِ العامة لسوقِ المال في سلطنة عُمان.
أنواع التمويل الجماعي:
للتمويل الجماعي أربعة أنواع، وهي ( التبرع – المكافآت – المساهمة في الملكية – أدوات الدين أو كما تُسمى بتمويل النظراء)، وفي الحقيقة ما يهمني هو آخر نوعين فقط؛ وهما: المساهمة في الملكية، وتمويل النظراء ؛ وذلك لأن الفرد العادي قادر على تشغيل أمواله في هذين النوعين وتحقيق عوائد مجزية ومرضية.
– المساهمة في الملكية: هو أن يكون التمويل ببيع جزء من ملكية الشركة للممولين (المستثمرين) بغرض التوسع أو الحصول على نقد ” كاش “، بينما أن المستثمر يدفع أموال مقابل التّملّك في مشروع ناجح؛ وبالتالي تحقيق عائد من الأرباح، ولعل أبرز منصة تمويل تعمل بهذا النظام هي منصة: ستايك أو بالإنجليزية ( stake ) المهتمّة والمتخصصة بتملّك العقارات في إمارة دبي.
تعمل منصة ستايك على شراء عقارات في دبي ومن ثم بيعها على شكل أسهم، وتستمر الشركة في إدارة ذات العقار وتوزيع الأرباح بشكل شهري للمستثمرين بناء على نسبة ربح متفاوتة تصل إلى ٦% سنوياً.
– تمويل النظراء: قد يبدو المعنى واضحاً من المُسّمى حيث يحصل التاجر (صاحب المشروع) على تمويل أو قرض من النظراء والأقران (الافراد المُستثمرين) بمقابل الحصول على نسبة فائدة وقدرها – بحسب ما تم الاتفاق عليه- من أرباح المشروع لمدة حُدِّدَتْ مسبقاً من قِبَل المنصة، وبعد انقضاء المدة يستلمُ المُستثْمِرَ المبلغَ الأصلي مضافاً إليه الربح. ويعدُّ هذا النوع من التمويل أسرع وأكثر أنواع التمويل نمواً وانتشراً؛ وذلك بسبب أن الكثيرين من روّاد الأعمال يعتبرونه بديلاً ناجحاً لتمويل مشاريعهم بعيداً عن تعقيدات البنوك، فيما يعتبرهُ الأفراد كمصدر استثماري يحقق دخلاً إضافياً جيّداً لكل من يريد استغلال مدخراته.
منصات التمويل الجماعي في سلطنة عُمان:
أربع منصات باشرت العمل ودخلت إلى سوق التمويل الجماعي وحققت أرقاماً كبيرة؛ مما يُبَشّر بأن مستقبل التمويل الجماعي سيكون نشطاً – بإذن الله – الأمر الذي سيتزامن معه نشاط في سوق التجارة والعمل الحر.
أبرز المنصات:
– منصة مأمون: وهي منصة عُمانية خالصة، قامت بتمويل مختلف المشاريع بقيمة تجاوزت ٣٠٠ ألف ريال عُماني منذ انطلاقها قبل أقل من عامين، ولا زالت تطرح عدداً من المشاريع للإستثمار؛ وذلك عبر موقعها الاكتروني الذي أنصح الجميع بزيارته والاطلاع على الفرص المتاحة.
– منصة زُمَر: ربما فكرة المنصة مختلفة نوعاً ما؛ فهي منصة ادخارية وليست استثمارية. قامت منصة زمر بتطوير فكرة الجمعيات وتحويلها من فكرة مجتمعية يعتريها الكثير من المخاطر وعدم المأمونية والموثوقية إلى عمل مؤسسي مرتبط بدوائر رقابية وعلى مقدمتها البنك المركزي؛ فبفضل زُمَر لن تكون محتاج لتنظيم جمعية أو الانضمام لجمعية من أجل الحصول على مبلغ طارئ، كل الذي عليك هو التسجيل في زُمر والموافقة على الشروط واتباع الانظمة اليسيرة.
– منصة إثيس اكس ( ETHISx ): وهي منصة عالمية لديها مراكز في عدد من الدول مثل ماليزيا واندونيسيا، وحصلت مؤخراً على رخصة ممارسة نشاط التمويل الجماعي في سلطنة عُمان. تُقدم المنصة العديد من الفرص الإستثمارية على شكل قروض تمويلية بهدف تمويل المشاريع الراغبة بتوسيع نشاطها التجاري من أجل تعظيم عائدها الربحي.
– منصة بيهايف: المؤسسة الرائدة في التمويل الجماعي في منطقة الخليج، ويقع مقرها الرئيسي في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي إمارة دبي تحديداً، حصلت على الترخيص كثاني ممول جماعي في السلطنة، وقد باشرت عملها في يناير من عام ٢٠٢٣ م.
فيما سيدخل عدد آخر من منصات التمويل الجماعي إلى السوق المحلي في المستقبل القريب، وذلك وفقاً لما أعلنته الهيئة العامة لسوق المال، أن ثمانِ رُخَص أُعطيت لشركات مختلفة لممارسة نشاطها في السلطنة.
مع القليل من الحبر والورق سيكون للتمويل الجماعي تأثيراً إيجابياً للجانب الإقتصادي لدى الأفراد والمؤسسات؛ بحيث تستفيد منه الشركات في تمويل مشاريعها التوسعية، بينما يستفيد منه الأفراد من تعظيم مدخراتهم بالاستثمار؛ فلم يعد تدفق النقد مقتصراً على البنوك فقط، ولم يعد الاستثمار يتطلب الرأس المال الكبير المُعجز الذي كان حكراً للأثرياء فقط.