التربية 5 + 1 = صفر
خميس البلوشي
ينظر الكثير منا على منهجيات تربوية رائدة في تربية النشء؛ كمنهجية الفيلسوف الكبير “كانت” أكبر فلاسفة أوروبا منذ عهد أرسطو وأفلاطون، واستطاعت أن تقتحم فلسفته كثير من الحياة الاجتماعية، وبدأ تاريخ الفكر الأوربي تدوين ذلك بنمط تاريخي، فلا بد لنا كأمة مسلمة بطابعها الاجتماعي أن تربي أجيالا بنوعية وبنمطية أخرى من فلسفة “كانت”، وأن ظروف نشأة التربية في الشرق العربي والإسلامي كانت مختلفة عنها في الغرب؛ فوجدنا هنالك الكثير من المؤسسات واللبنات التربوية الاجتماعية التي تعين تربية النشء تربية صالحة، وسأختصرها في خمس مؤسسات ولبنات؛ ألا وهي، البيت كمؤسسة تربوية، والشارع، والمدرسة، والإعلام، المسجد، إضافة إلى ما هو سادس، سيتم توضيحه لاحقا.
لو تساءلنا، ما هي التربية؟؟؟، فالتربية باعتبارها الخمس المؤسسات التي تم ذكرها، إضافة إلى الواحد وهو ” الكتاب”. وطبعاً من البديهي نقول ستة مؤسسات ولبنات،… ولو تأملنا قليلا سنجدها جميعها فقدت هويتها في تربية النشء، وانهارت ودمرت.
فالبيت كمؤسسة تربوية، الزوج والزوجة يعملان، وينهمكان بوقتهما في الأشغال والأعمال؛ وهذا ما يحصل الآن ونجده أمام أعيننا، فالبيوت مشغولة بأعمالها، فيغيبوا عن البيت بمعدل ثمان إلى عشر ساعات لقضاء أوقات العمل، وينامون بواقع ثمان سعات، فكم بقي من اليوم…؟ بالطبع لم يبق شيئا، إضافة إلى الزيارات الاجتماعية، وزيارة الوالدين والأقارب والأرحام، والأولاد خارج نطاق المؤسسة التربوية تربويا؛ فهذه مؤسسة في نظرنا قد خرجت.
أما الشارع كمؤسسة تربوية، فزمان نقول “أنا ابن الشارع”؛ فالجار يربي، والبقال وصاحب البقالة يربي، كأن لو تصرفت بسلوك مشين، فأخاف أن يبلغ والدي، فهذه مؤسسة تربوية قد فقدناها أيضاً، وغير موجودة.
كذلك الحال بالنسبة للمدرسة أيضاً؛ فهي مؤسسة تربوية رائدة، فالبيئة التعليمية بمجملها تعاني بكثير من الأمور؛ كالمباني أو الفصول الدراسية الغير مهيئة، أو المنهج الدراسي، إضافة إلى المعلم، فلا يمكننا ولا نريد الدخول كثيرا في دهاليز وتفاصيل العمل التعليمي أو التدريسي، فهذه أيضاً نراها من وجهة نظرنا، أنها مؤسسة سقطت تربويا، ولا نريد أن نسقط عليها مصطلح السقوط إجمالا، ولكي لا نهضم حقها نقول عنها قد “ترهلت”.
أما المسجد فهو ذلك البنيان الثري بالأصالة والعمق في تربية النشء عقائديا وفلسفيا واجتماعيا وثقافيا وتربويا واجتماعيا، فتحول من دور تنوير وفكر وحضارة وتلقي الدروس إلى دور صومعة للعبادة، فيؤدى فيها الفرد الفرض ويخرج، فهذه مؤسسة تربوية أخرى نراها أيضا قد ترهلت.
أما المؤسسة الخامسة وهي الإعلام، فنرى كثير من الإعلاميين يدّعون أنهم الأب والأم لهذه المؤسسة الإعلامية التربوية، ولو أطلقنا عليه نسبة تسعة أعشاره فاسدا، فلا تذهبوا بعيداً عما أقول؛ فمثلا الإعلان، يأتي إعلان في مكتبة عامة بولد جميل وبنت جميلة، والبنت تتدعي بأن هاتفها قد فقد، فتحدث الولد.. “ممكن تتصل على هاتفي…”، فكلها ثوان ويرن الهاتف بجيبها الخلفي، أو جيوب قميصها الأمامي، وهي خارجة تقول سأتصل بالولد لشكره وتقديره،.. وفجأة يظهر إعلان لمادة إعلانية لإحدى الشركات للمشروبات الغازية… فنحن أربعة عشر قرنا نقول ونطالب بعض النظر، ويأتي إعلان في ثلاثين ثانية ويدمر مبدأ غض البصر، إضافة إلى الكذب في الإعلام والنفاق والتطبيل…!
فأعتذر إن كان هناك كلام ناعم خشن؛ فهذه خمس مؤسسات مترهلة لا تقوى على تربية النشء، أما المؤسسة السادسة، والأرجح الغائبة، ولا يقصد به -الكتاب المدرسي-؛ فالكتاب الذي نعنيه أصبح ليس موجدا كمربي للنشء!
نسأل الله تعالى بحسن الخواتيم، وأن لا يلكنا إلى أنفسنا طرفة عين.