اللحم الحرام
جابر حسين العماني
Jaber.alomani14@gmail.com
أثناء متابعتي لأحد البرامج التلفزيونية، ظهَر إعلانٌ تجاريٌّ يتحدث عن الدجاج المستورد من إحدى الشركات الأجنبية، حيث يصف الإعلان الدجاج بأنه حلال، مما جعلني أتساءل:
هل كل ما يُجلَب إلى بلادنا العربية والإسلامية من الخارج هو حلال ويجوز أكله شرعاً؟ وما مدى صحة تلك الإعلانات التي تروّج لتلك المنتجات؟ خصوصاً وأن ذلك المنتَج ليس من المنتجات الوطنية، وإنما يُجلب أحياناً من دوَل ليس لها صلة بالإسلام وتعاليمه ومبادئه.
كان لي مرورٌ بأسواقنا العمانية والمحلية لأتأكد من وجود ذلك الدجاج المروّج له إعلامياً، وتفاجأتُ بوجوده في أغلب المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية، وأغلب تلك المطاعم مع كل الأسف تعتمد عليه في إعداد وجباتها ثم تقديمها للناس، لقلة سعره وزيادة وزنه، مما جعلني أهتمّ أكثر بالبحث حول حُكم حِلّية ذلك المنتَج من الدجاج.
وأثناء رحلة البحث وقراءة فتاوى جَمعٍ من علماء المسلمين، تفاجأتُ بحرمة أكل ذلك المنتج من الدجاج، لأنه لا يُذبح على الطريقة الإسلامية، وقد صدر تعميمٌ استناداً إلى قانون الأوقاف الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (٢٠٠٠/٦٥) في المادة ( ٩ ) من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وتضمّن التعميم فتوى لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله، المفتي العامّ لسلطنة عمان، والتي تنصّ على:
“إن كانت هذه اللحوم مستورَدة من بلاد أهل التوحيد جاز أكلها ما لم يُعرف أنها حرام، وإن كانت مستورَدة من غير بلاد المسلمين، مُنع أكلها إلا بضمانة مقبولة شرعاً بأنها من صُنوف المحللات من الحيوانات، وأن الذابح مقبول الذبيحة شرعاً، وقد ذبحها بالطريقة الشرعية، والله أعلم”.
ثم ذكر التعميم في البند الثاني متحدثاً عن منتجات اللحوم الحمراء والبيضاء: “فقد تَلاحَظ لدينا بوجود بعضٍ من تلك المنتَجات غير المذبوح حسب الشريعة الإسلامية (مثال: منتجات ساديا)”.
والسؤال هنا: إذا كان لا يجوز أكل ذلك المنتَج من الدجاج، فلماذا تسمح الجهات المعنية ببيعه والترويج له في الأسواق العربية والإسلامية؟ ولماذا إشهاره عبر وسائل الإعلام؟ ولماذا يُسمح بانتشار الشبهات في بلادنا العربية والإسلامية؟ خصوصاً أنها تخالف مبادئنا وعاداتنا الإسلامية والشرعية والاجتماعية، ومن هو المسؤول عن تقديم تلك اللحوم إلى الناس من خلال المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية؟
قال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: 114، 115].
وبالتالي، فاليوم هناك مسؤولية عظيمة على الجهات المعنية، وهي منع بيع وتداول تلك اللحوم التي لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية السمحاء، والتي نهى الله تعالى عن أكلها، وتقع المسؤولية أيضاً على دَور الثقافة والمعرفة في البلاد العربية والإسلامية كالمساجد والمدارس والجامعات، وذلك بتوعية المجتمع بأهمية اجتناب لقمة الحرام لأثرها السيّء والمدمّر على الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْجَنَّةِ جَسَدًا غُذِّيَ بِحَرَامٍ) [المنتخب من مسند عبد بن حميد: ص30]، وقال: (إِذَا وَقَعَتِ اَللُّقْمَةُ مِنْ حَرَامٍ فِي جَوْفِ اَلْعَبْدِ لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَفِي اَلْأَرْضِ، وَمَا دَامَتِ اَللُّقْمَةُ فِي جَوْفِهِ لاَ يَنْظُرُ اَللَّهُ إِلَيْهِ) [مكارم الأخلاق: ج1، ص150].
اليوم هناك بعضٌ من آراء الفقهاء من العلماء الأعلام، وهي من الآراء العرفانية والأخلاقية، حيث يصرّح أهل العِلم أن أكل الحرام كالسُّمّ له تأثير بالغ على نفسية الإنسان وأخلاقه وذريته، فينبغي على الإنسان اجتناب لقمة الحرام، والابتعاد عن مواضع الشبهات، حتى لا يقع الإنسان في فخّ الآثار المدمرة له ولمن حوله في الدنيا والآخرة.
لقد ذكرتُ بعض الأرقام الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن معدّل استهلاك اللحوم في سلطنة عمان زاد عن 43 كيلو للفرد الواحد في كل عام، وجاءت سلطنة عمان بحسب تلك الإحصائيات في المرتبة الخامسة في إحدى السنوات، على مستوى البلاد العربية، وهذه الأرقام تجعلنا أمام مسؤولية عظيمة وهي تشديد الرقابة على تلك اللحوم، ومراعاة حِلِّية أكلها، وأن تكون خاضعة للشروط الشرعية التي تجعلها مُحللة الأكل والتي منها:
أن يكون الذابح مسلماً، وأن توجّه الذبيحة للقبلة عند ذبحها، وأن يذكر اسم الله تعالى عليها.
أخيراً: ما أجمل أن يكون الإنسان واعياً بأحكام دينه ودنياه، متجنباً المحرمات وموارد الشبهات، فذلك خير له في الدنيا والآخرة، وبذلك يكون الأقرب إلى الله تعالى، وهنيئاً لمن سار على الطريق المستقيم الذي رسمته الأطروحة الإلهية للإنسان بهدف رقيّه وازدهاره ونجاحه.