سلطنة عمان مدرسة التعايش السلمي المعاصر
د. علي ساجد
جامعة ملايا ماليزيا.
التعايش السلميّ ضرورة إنسانية ومجتمعية؛ به يعيش البَشر في خيرٍ ونعيم؛ ولأهميته القصوى أشار إليه القرآن الكريم في أكثر من آية ومناسَبة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، سورة الحجرات آية رقم 13.
فالمجتمع الذي يمتاز بالتعايش السلميّ، ويحقّق العدل والمساواة دون تَمايُز أو عنصرية مع اختلاف وجهات النظر الفكرية والمذهبية، ويغلب قاعدة (دفع المفاسد أَوْلى من جَلب المصالح)؛ مجتمع تقيّ نقيّ، ذو مكانة بين سائر المجتمعات، وهذا يحقق مقصد الاستخلاف في الأرض.
لقد أصبح التعايش السلميّ مطلباً عالمياً ينشده العالم بأسره مع اختلاف طوائفهم ومعتقداتهم، -ومن هذه المدارس الفكرية مدرسة الإباضية المعاصرة في سلطنة عمان-؛ إذ يُعتبر التسامح والمرونة في الأفعال والخطاب سِمة متوارَثة في جميع مدن وقرى السلطنة؛ وليس هذا غريباً على أهل عمان، فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلاً إلى حيٍّ من أحياء العرب، فسبّوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لو أن أهل عمان أتيت، ما سبّوك ولا ضربوك}، رواه مسلم، فهذا الثناء النبويّ هو شهادة من النبيّ صلى الله عليه وسلم لأهل عمان؛ لِما اختصّوا به من صفاتٍ عالية، وأخلاق رفيعة، ومعاملة حسنة، قال الإمام القرطبي في المفهم: “أهل عمان قومٌ فيهم عِلمٌ وعفاف وتثبُّت، والأشبه: أنهم أهل عمان التي قِبل اليمن، لأنهم أليَن قلوباً، وأرقّ أفئدة، لِما يتميزون به من أخلاقٍ وتسامح تسمح للآخَرين التعايش معهم والالتحام بهم كالجسد الواحد”، وتؤكد دراسات الباحثين اتّصاف مجتمع عمان ومدارسه بالأمان العالميّ، وحصول سلطنة عمان على مراكز متقدمة في الحماية من الحوادث الإرهابية، فلم تُسجّل أيّ فردٍ انضمّ إلى هذه الجماعات لقوة التسامح والوعي في تطبيق الإسلام الوسطيّ، وهذا يعكس دَور الحكومة العمانية في ترسيخ هذا المبدأ العظيم في دفع المجتمع نحو التعايش ونبذ العنصرية، إذْ يوقّع من يمارس أي أنشطة دينية في المجتمع على أنه لا يمارس أيّ قضية تخالف ثقافة المجتمع أو نشر الخلاف الذي يدعو للعنصرية المذهبية.
فدولة عمان مدرسة عظيمة في التعايش السلميّ، يجب على المجتمعات العربية والإسلامية الاستفادة منها في تجربتها الفريدة؛ لتصبح متقدمة بين الأمم بأخلاقها وتسامحها وثقافتها.