الأمل البطيء
طيبة بنت سعيد المحرزية
لم أتوقع أنّ آفة الزمن تبتلعني وتجرّني إلى موطن غريب جداً إلى غابات الهند مثلاً، فتلك الغابات صارت تحيط بي من كل جانب كالجزيرة التي تحيط بها المياه من كل الجهات، فتحاصرها حتى لا تستطيع أن تتحرك أو ترحل من قارّة إلى قارّة، نعم إن الحِيرة والفهم هما شيئان غامضان في الحياة، فلو فكّرت ودخلت في عمق الأعماق ونهايات الماضي وتجدد المستقبل، إنه لحقيقة ذلك السراب المتخفي المتناثر حول رداء الزمن، فجأةً كانت حياتي تحت سيطرة الطوفان، لا أدري لماذا ذُكرت عبارة الطوفان، لأن حزني قد يكون يعتصر، نعم إنني قديمةٌ من ماضي الأزمان، لفتتني الأزمات تحت تيار الضعف والتشاؤم، لا أدري، لكنني في يومٍ كانت العاصفة تنهل عليّ، وزادت فيه الآهات، كان الحرف الأول من اسمي هو المتحكم بإغلاق الماضي الحزين، وقلتُ في نفسي:
لربما أنسى الماضي بشيء من التطورات إن شاء الله في المستقبل، لكن الأيام أخذت تتعقد كثيراً، لقد سهرتُ كثيراً، وتعبتُ كثيراً في سبيل أن أحصل على مستقبلٍ يغيّر حياتي التعيسة والبائسة، لكن دموع الأيام وصفعات الماضي تأبى ذلك، ولأن الظُلم بدأ يجرّ ذيله، وقرر أن يرمي نفسه حول عنقي حتى لا تتجدد حبال الطموح وأمال السعادة، وقفتُ أطيل النظر لعلّ الأمل يعود مرة أخرى وأفتح قاموس التفاؤل، ولكن الظلم مرة أخرى، عاد وأغلق أبواب الأمل في وجهي، وجعلني إنسانةً متبعثرة الأفكار، فتارةً أحلم أن أغيّر ما في حياتي من ثانية إلى ثانية، لكن للأسف، هناك حاجزٌ يمنعني من الأمل، إنه الظُلم ثانيةً، لقد تملّك بي، جعلني رفيقتهُ، وقد أكون صاحبتهُ في آنٍ واحد. لقد أغلق عليّ أبواب السعادة، وجعل لكل ورقةٍ أو ثمرةٍ رطبةٍ تجني حسداً متكسداً حول طموحاتي وأمنياتي. صارت الغربة تظهر مِن حولي، جعلتني كئيبة مضطربةً غير مبالية إلا أن أتخلّص من ذلك المتوحش (الظلم)، فجأةً ظهر لي مخادعاً جديداً اسمهُ (المرائي) إن شكلهُ يشبه ذلك الظالم، لكن صفاتهُ مختلفة، لأنه يظهر لي حزنه أمامي، ويتحسّر ويشفقُ عليّ، ولكن قلبهُ يقول شئياً آخر، فجأةً انحصر وتقطّع قلمي عن الكتابة، وقلتُ في نفسي:
لعل الظلم كان أفضل قليلاً من ذلك المُرائي، توقفتُ قليلاً، وبدت أحلامي وأفكاري تترتب كأنها تعزف سيمفونية الأمل، وموسيقى حزينة تعيد طموحاتي ثانيةً، لكن ما زال الحزن والبكاء على ما مضى هو همّي ورايتي التي أعتزُّ وأفتخر بها، لأنه لم يتغير شيٌ في حياتي، ولم يتجدد شيءٌ في حياتي، حتى أصبحتُ إنسانة بلا أمل، بلا هدف، ولم تضِء لي شمعة واحدة من الأمل، وانتهى الأمل، ودُفن في رمال الصحراء الكبرى، وودّعتُ أنا النيل والوداي الأزرق، لِتبقى حياتي تحت رمالٍ متكدسة، إنه التشاؤم.