أحمد بن سليم الحراصي
ربما يُكمل الجسر السنة الثالثة منذ أن تمّ إنشاؤه، وبعد مطالبات عديدة استمرت ثماني سنوات، جسر جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالرستاق الذي يفصل المشاة عن الشارع الرئيسيّ، وبمثابة وسيلة ميسّرة للطلاب القادمين من مساكنهم المقابلة للجامعة للذهاب إلى جامعتهم بأمان، ولتفادي خطر وقوع الحوادث لهم ودون إبطاء حركة المرور للسيارات التي تروح وتجيء، ولكن مما يؤسف أن هذا الجسر لا يغدو سوى أن يكون جسراً معلّقاً دون جدوى، ودون أن يكون في حسبة الحكومة بالهدف والمغزى من إنشائه، وهذا ما كان يشتكي منه الكثيرون من قائدي المركبات في ذلك الشارع الذي يتخطاه الطلاب كل صباح بأعداد كبيرة، خاصةً وأن الجميع يعلم بأن الفترة الصباحية نشطة والكثير من المركبات الخفيفة والثقيلة تمرّ في هذا الشارع، وكذلك حافلات المدارس لنقل الطلاب إلى مدارسهم بأعداد كبيرة، فماذا سيحدث لو ظلّ الأمر كما هو؟ وهل ننتظر وقوع الحوادث لإصلاح الخلل؟
أحد الأصدقاء قبل أقل من شهر تواصل معي ليُخبرني عمّا يجري في هذا الشارع وهذا الجسر تحديداً، وأن نسبة كبيرة من الطلاب لا يستخدمون هذا الجسر لأسباب مجهولة، وكأن الجسر غير موجود، وبلهجة عمانية ممتعضة (مسواي عبث)، ولأنني لا أحكم على كل شيء من عنوانه وبمجرد سماعه دون يقين فقد استحببت أن أذهب وأرى بنفسي وهل هذه المعلومات صحيحة؟ وعندما ذهبتُ فوجئتُ حقيقةً بما رأيته من استرخاص الروح، وكأنني أرى هذا المشهد لأول مرّة، رغم أنني أمُرّ كثيراً من ذلك الشارع، ولكن، ولأنني لا أمُرّ فيه غالباً سوى في أيام الإجازة، إلا في هذا اليوم فقد تعمّدتُ الذهاب في أوقات العمل وفي الصباح خاصةً، لأرى أحدهم أمامي يجتاز الشارع من الجامعة نحو الجانب الآخر من الطريق غاضّاً الطّرْف عن وجود جسر فوق رأسه! فلماذا هذه المخاطرة؟
وعند البحث والتقصّي عن الأمر من بعض العاملين في الجامعة، أخبرني أحدهم بأنه منذ ساعة قبوله في هذه الجامعة لم يستخدم الجسر إطلاقاً، وأحدهم قال: الجسر طويل، وتصور أن مطالباتنا طوال الثماني سنوات لم تأتِ سوى بعمل جسر فولاذيّ صلب، ومن النوعية الجاهزة، وفي الحقيقة أنا كطالب أستسهل عبور الشارع وأستصعب العبور من خلال هذا الجسر الطويل المعقّد في هيكله.
وعند سؤال طالب آخر، قال لي: سأسهّل لك الأمر، تخيّل أن لديك امتحاناً نهائياً عند الساعة الثامنة، واستيقظتَ متأخراً قبل عشر دقائق من بدء الامتحان، وأمامك حينها خياران للعبور، أحدهما هذا الجسر الطويل في عشر دقائق والآخر عبور هذا الشارع في دقيقتين، ناهيك عن أنك في هذه العشر دقائق بحاجة إلى الاستعداد الكافي للذهاب من السكن إلى الجامعة، فأيهما ستختار؟
هل هذا يعني أن الجسر وُضِعَ للتيسير أم للتعسير؟ المعروف أن الجسر ذو الهيكل الفولاذي الصلب هو أكثر الجسور أماناً وأبسطها وأسرعها، وأن ارتفاع الجسر يأتي لأسباب وإلا لما استطاعت الشاحنات والمركبات الثقيلة من المرور تحت الجسر كما لا يمكن الاستغناء عن الشارع أيضاً، فهو شارع حيويّ ومهم جداً، لكن ربما نستطيع هنا أن نحدّ من المشكلة، وأن نتفادى الخطر قبل وقوعه، والحدّ من عبور الطلاب للشارع واستخدامهم للجسر فكيف يكون ذلك؟
هناك حلول كثيرة ولكن بعضها تكون مُكلفة، إلا أن هذا لا يهم طالما أن كلفة الأرواح أغلى من كلفة الأموال، أحد الحلول يكمن في عمل سياج على طول جانبي الشارع لمسافة لا بأس بها بحيث تمنع الطلاب من اجتيازه، وهو المطلب الذي طلبه الكثيرون من الطلاب ومستخدمي الطريق، ولو أنني أراه غير نافع؛ لأنه من غير الممكن أن يكون السياج بالكامل مغلقاً بطول جانبي الطريق، لا بدّ أن تكون هناك ممرات مفتوحة للسيارات القادمة للجامعة أو المؤسسات القريبة والمحلات التجارية، وهذا بحدّ ذاته سيشكّل فشلاً كبيراً في عمل هذا السياج، إلا لو كان لشرطة عمان السلطانية رأياً آخر بالتنسيق مع بلدية الرستاق، وذلك بمخالفة كل من يمرّ من فتحات السياج ، كذلك فإن عمل نفق للمشاة من الممكن أن يُخفف الضغط على كبار السنّ وذوي الإعاقة الحركية، ومن الذين يتهاونون باستخدام الجسر بسبب ارتفاعه وطوله، أو حتى بعمل مصعد للجسر لمن يستصعب صعوده لارتفاعه، هي جلّها حلول قد تكون ناجعة لتفادي حدوث حوادث مرورية.
على كل حال، لو كنت طالباً لاستحسنت استخدام الجسر، حتى ولو كان طويلاً عن عبور الشارع وتعريض حياتي للخطر، فنحن نشتكي كثيراً من خطورة الجِمال السائبة على الطريق، والتي راحت ضحيتها أرواحٌ كثيرة وما تزال تحصد الكثير من الأرواح دون أن تستمع أو تعدل عن تصرفها، هذا لأنها تبقى في النهاية حيوانات، وبسجيتها لا عقل لها ولا ضمير، ولكن عندما يكون الحديث عن إنسان كمسبب لمشكلة، فللإنسان عقل وميزة عن هذه الحيوانات، وبطبيعته يتحاشى الخطر ولا يُلقي بنفسه نحو الهاوية، لذا أتمنى أن يكون للحكومة وللجهة المسؤولة في الجامعة قراراً صارماً يحدّ من هذه المشكلة، وأن يكون لدى الطلاب وعيٌ بخطورة ما يُقدِمون عليه، حياتكم أمانة وعليكم المحافظة عليها إكراماً لعائلاتكم على أقلّ تقدير.
وفي النهاية، أنت هنا بمغامرتك اجتياز هذا الشارع ببساطة (تنتحر)، فهل ذلك يرضي ذا دينٍ وضمير حيّ؟