إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم
سالم البادي
إن كلّ مسلم يدور في ذهنه سؤال في عصرنا هذا، وهو:
ما هي أسباب ضعف الأمّة الإسلامية وهوانها وخذلانها وتأخرها وتقاعسها عن نصرة المسلمين في كل بقاع المعمورة؟
عزا بعضهم بأن أسباب الضعف هم المسلمون أنفسهم، بينما بعضهم الآخر أرجأ ذلك إلى ضغط الحكام على شعوبهم واستعبادهم، مما أدى بذلك إلى ضعف الأمة وتفرّقها وتشرذمها.
والسؤال هنا:
ما هي أسباب هذا الضعف المهين والمشين للأمة الإسلامية في عصرنا الحالي؟ هل هي أنظمة الحكم والحكام؟ أم المسلمون أنفسهم؟
مما لا شك فيه أن السبب الرئيسي في ضعف الأمّتين الإسلامية والعربية هو ابتعادهم عن كتاب الله العزيز (القرآن الكريم) وسنّة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهذا مصداقٌ لحديث أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ)- أخرجه الحاكم في المستدرك.
فعلاوة عن البُعد عن الدِّين والإعراض عن تطبيق أحكامه وتشريعاته وعدم المنهجية في التعليم والتعلم، بالإضافة إلى إلى الانكباب على الشهوات والملذات، والتفريط في أوامر الله تعالى وشريعته، وانتكاس أفكار المسلمين وبُعدها عن المنهج الربّانيّ القويم، والتفرّق والتشرذم، واختلاف الكلمة، وتفكّك الأسر والمجتمعات والدول الإسلامية، وغير ذلك من الأسباب. نسأل الله زوالها، وعودة مجد الإسلام وعزة المسلمين.
إذاً، السبب هو حال المسلمين أنفسهم، فما من مصيبة تنزل بالعبد إلا بكسبه وبما جنته يداه، كما قال تعالى: {أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ}- آل عمران:١٦٥.
وقال سبحانه: {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ}- الشورى:٣٠.
فبطبيعة الحال، فإن العباد إذا خافوا ربهم فاتقوه وأصلحوا حالهم بالإيمان، وامتثلوا لأوامره وانتهوا عن ما نهى عنه، واتبعوه ولم يعصوه؛ أورثهم الأرض واستخلفهم فيها، كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}- النور:٥٥. وقال عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ}- الأنبياء:١٠٥.
لماذا لا ينصرنا الله؟
أولسنا مسلمين موحدين به؟
ألم يقل الله تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ}- من آية: ١٦٠، آل عمران.
لماذا تُراق دماء المسلمين في فلسطين والمسجد الاقصى، وغزة، وفي الهند، والصين، وبورما، وروسيا، وأمريكا؟
لماذا يُسَبُّ الرسول كل يوم؟
لماذا يُحرق ويُمزّق القرآن الكريم ويُداس بالاقدام؟
لماذا يُضيَّق على المسلمين حتى في بلاد الإسلام بتهمة الإرهاب؟
إن الله سبحانه وتعالى ينصر من ينصره، فالاستخلاف في الأرض، والتمكين فيها؛ منوط بتحقيق التوحيد والإخلاص لله تعالى، وتكميل الإيمان وعمل الصالحات، فمتى ما اجتمع المسلمون وتوحّدوا ونصروا دينهم كما ينبغي؛ فيقيناً لن يتخلف عنهم النصر.
إن الله تعالى يضع النصر والتوفيق في مواضعه ولا يظلم أحداً، وكل ما يصيب المسلمين من خذلان وذل وهوان وهزائم وتسلط عليهم عدوهم إنما هو بذنوبهم، وما كسبت أيديهم، قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}- الشورى:٣٠.
ولنا في معركة أحُد خير دليل، لمّا انقلب المشركون على المسلمين قال الله تعالى لهم:{قل هو من عند أنفسكم}- آل عمران:١٦٥؛ وذلك بمخالفتهم لأوامر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مما سولت لهم أنفسهم حب الدنيا وحرصهم عليها، فانشغلوا بجمع الغنائم وظنوا أنهم منتصرون، فحوّل العدو نصرهم إلى هزيمة.
فبصلاح الأفراد والمجتمعات يصلح حال المسلمين، عندئذٍ ترتفع راية الإسلام برّاقة نحو النصر المبين، المؤيّد من ربّ العالمين.
فصلاح النفوس أو انحرافها هو أصل اعتدال الأحوال أو اعوجاجها، قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}- الأنفال :٥٣.
وهنا لا بد من التركيز على أن نتائج المعارك لا تحسمها العدة والعدد فقط، وإنما ثمة أمور أخرى لا تقلّ شأناً عنها، إن لم تكن تفوقها أهميةً واعتباراً؛ فإن النصر لا يتوقف على الكثرة والقلة، بل هي لا تجدي نفعاً في ساحات المعارك، إذا لم تكن مقرونةً بسلاح العقيدة والإيمان، وارتبطت بالأخذ بأسباب النصر وقوانينه ومبادئه، والتيقن بأن النصر من عند الله وحده، قال الله تعالى: {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}- آل عمران: ١٢٦، وقال: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}- محمد: ٧، وقال: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}- الأنفال الآية:١٧.
ولنا في غزوة حنين دروساً وعِبَر أيضًا، فقد قال الله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}- التوبة من الآية: ٢٥.
هذا الدرس من أهم الدروس التي انتفع بها الصحابة ـ رضوان الله عليهم- واستفادوا بها بعد ذلك في حروبهم ضد أعدائهم.
إذ قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بعد سنوات طويلة في رسالة إلى جنوده في فارس، يشرح لهم أسباب النصر، مبنية على ما حدث في يوم حنين، إذ قال في رسالته المشهورة: “إنكم لا تُنصرون على عدوكم بقوة العدة والعتاد، إنما تُنصرون عليهم بطاعتكم لربكم، ومعصيتهم له، فإن تساويتم في المعصية، كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العدة والعتاد”.
وإذا كانت موقعة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئاً أمام كثرة أعدائهم، إذا كانوا صابرين ومتقين، فإن غزوة حنين قد أكدت لهم أن الكثرة أيضاً لا تفيدهم إذا لم يكونوا صابرين متّقين، موقنين بأن النصر من عند الله عز وجل وحده.
ونودّ أن نركّز على أهمية الاجتماع وذم الفرقة، والأخوة في الله لا في شيء آخر، وليعلم الجميع يقينًا بأن اتّباع الهوى أعظم أسباب الاختلاف والتباغض، والخلافات قضت على حضارة الأندلس وتسلط اليهود على فلسطين وما حولها حتى اليوم، والتغيير في مناهج التربية والتعليم الصحيحة لمنهج الله هي من أكبر الكبائر، ومن أكبر أسباب التشرذم والذل والخذلان، والتأخر في ركب العلم والحضارة.
إن انتشال الأمة من مستنقع الضياع الذي تغوص فيه حاليًا، لا يتمّ إلا بنبذ الخلافات ولمّ الشمل واجتماع الكلمة وتوحيد الصف؛ لكي تعود الأمة العربية والإسلامية لمجدها التليد، وتقود حضارتها وتصنع مستقبلها.
فالاجتماع قوة، وسبيل لكل نجاح، والاختلاف -بلا شك- ضعف، وهو نذير شؤم، ويولد الخلافات، وما اعتصمت أمة بكتاب ربها وسنة نبيها – محمد صلى الله عليه وآله وسلم- إلا نجَّاها الله تعالى، ورفعها على غيرها من الأمم؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: {وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}- آل عمران: ١٠٣.