تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

مقال : عصا السفرجل (قصة ودلالات)

راشد بن حميد الجهوري

يحكى أن معلماً للقرآن الكريم كان يستخدم أسلوباً مميزاً في التدريس ، حيث كان يحمل في يده عصاً يصل طولها متراً إلا ربع اقتطعها من إحدى الأشجار في مزرعته تسمى (السفرجل) ، وهي شجرة من الحمضيات اللذيذة ، وعند ركبته اليمنى كيس مملوء بالثمار من نفس الفاكهة ، فمن يكون متميزاً في الحفظ يأخذ ثمرة واحدة من الكيس ، والآخر المقصر يذوق طعم العصا مضافاً إليه طعم الحرمان من الفاكهة ، واستمر على هذا الحال إلى أن ماتت شجرة السفرجل الوحيدة التي كان يمتلكها ، فبقيت العصا وفرغ الكيس من الثمار، واختل بذلك ميزان الثواب والعقاب لديه ، واحتار في إيجاد حل لهذه المشكلة ، وخشي أن يؤثر ذلك على تقدم طلابه في التعليم ، وكان بعض الطلاب يعودون إلى بيوتهم ، يحكون لآبائهم كيف أصبح المعلم بخيلا، ولا يعلمون أن شجرة الهدايا اليومية التي كان يقطف منها المعلم الثمار قد ماتت ، إلا عجوزاً حكيمة أرادت أن تعرف الحقيقة ، فمرت ذات يوم بالقرب من مزرعة معلم القرآن فرأته يغرس شتلة سفرجل صغيرة بالقرب من الكبيرة التي يبست أغصانها ، فقالت في نفسها: (تموت الأشجار في الأرض ، ولا تموت المكرمات في النفوس).

وبعد: فعصا السفرجل تعطي إيحاءات تربوية في عصر الرقميات تختلف عن عصر القصة ، وكذلك فثمار السفرجل استبدلت بالألعاب الذكية ، ومزيد من الرفهاية في كل الجوانب ، وكل ذلك يجعل مهمة المربي أصعب ، فهو أمام جيل منفتح ، ومتعدد الخيارات ، وفي عصر متسارع ، ولكنه في كل الأحوال يمتلك مقومات الإبداع والإنجاز إن هو استثمرها، كما نحتاج مع العصا والثمرة إلى بيئة محفزة تكتشف المواهب ، وتوجهها نحو النهوض العلمي والحضاري الذي ينطلق من كتاب الله تعالى.

وختاما: لم يتحول المعلم في القصة إلى شخص بخيل ، ولم يكن استقصاء العجوز للحقيقة تجسساً ، وبين الاستعجال في الحكم على الأمور وتقصي حقائقها مساحة من حسن الظن وقول المعروف ، والعاقل الفطن من أتقن العمل بها كمنهجية في حياته.

 

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights