فلسطين قضية كل مسلم
عمر بن صالح المجيني
لقد جاءَت شريعةُ الإسلام بأعظَم فُروضِها بعد التوحيد، وهي الصلاة، مُتوجَّهًا بها إلى بيتِ المقدِس، فكان أولَ قِبلةٍ للمُسلمين، فصلَّى رسولُ الله نحوه ثلاثةَ عشر عامًا بمكة، وبعد الهِجرة إلى المدينة أيضًا سبعةَ عشر شهرًا؛ حتى نزلَ القرآنُ الكريمُ آمرًا بالتوجُّه إلى المسجِد الحرام. إنه الارتِباطُ الإيمانيُّ والتاريخي الذي جعلَه الله بين مواطِنِ النبُوَّة، ولقد زادَ الإسلامُ هذا الارتبِاطَ وهذه الصَّلةَ قُوَّةً وعُمقًا؛ فقال نبيُّ الهُدى -صلى الله عليه وسلم-: «لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجِد: المسجدِ الحرام، والمسجدِ الأقصَى، ومسجدِي هذا». رواه البخاري ومسلم. وكيف لا يرتبِطُ بها المُسلمون وهي أرضُ الأنبياء والمُرسَلين؟
ولم يُبرِز التاريخُ قضيَّةً تجلَّت فيها ثوابِتُنا الشرعيَّة، وحقوقُنا التاريخية، وأمجادُنا الحضاريَّة مِثلُ هذه القضيَّة، وهي قضيَّتُنا الإسلاميَّةُ الأولى التي لا يجِبُ أن تُنسَى في جديدِ القضايا والصِّراعات. إنها قضيَّةُ أُولَى القِبلَتَين، وثالِثُ الحرمين الشريفَين، ومسرَى سيِّد الثَّقَلَين، قضيَّةُ الأقصَى المُبارَك التي يجِبُ أن تظلَّ في قلبِ كلِّ مُسلمٍ، ولا يُقبَلُ التنازُلُ والمُساوَمَةُ عليها يومًا مِن الأيام. وليس ما قامَت به الصهيونيَّةُ عبرَ التاريخ بخافٍ على أهل الإسلام، ولعلَّ ما شهِدَته الساحةُ الفلسطينيَّةُ على مدار الأيام الماضِية مِن أوضَحِ الدلائِلِ على سجِيَّةِ القَوم وما يُكِنُّونَه لأمَّتِنا ومُقدَّساتِنا من عداء إنه لأمرٌ تبكِي له العيُون أسًى وأسَفًا، ولا مُساومَةَ البتَّة على شيءٍ مِن مُقدَّساتِنا، ولا تنازُلَ عن شيءٍ مِن ثوابِتِنا.
أيَطِيبُ لنا عيشٌ، ويهدَأُ لنا بالٌ، ومُقدَّساتُنا تئِنُّ، وفِلسطينُنا تستنجِدُ، والأقصَى يستصرِخُ؟!
أيُّها الإخوة المُرابِطُون على ثرَى فِلسطين الصامِدة، أرضِ العِزِّ والشُّمُوخ والفِداء، والتضحِية والإباء! إنه ليُحزننا أن أقصانَا أسِيرٌ بأيدِي الطُّغاة العُتاة، فما نذكُرُه إلا وتعتصِرُ قلوبُنا حسرةً وأسًى على ما جرَى له ويجرِي مِن هؤلاء الصهايِنة المُعتَدين. فقضيَّتُكم قضيَّتُنا، وهَزَّةُ انتِفاضتِكم هَزَّةُ قُلوبِنا، ومُصابُكم مُصابُنا.
فصبرًا صبرًا، لقد سطَّر جهادُكم المُبارَك بأحرُفِ العزِّ والنصرِ والشرفِ أروعَ النماذِج في التاريخ المُعاصِر. فبُورِكتُم مِن رِجالٍ، ولله درُّكُم مِن أبطالٍ، لقد أعَدتُم في الأمة الآمال، وصدَّقتُم الأقوالَ بالأفعَال.
ثِقُوا بنصرِ الله (…وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)). [من سورة الروم]. وهنِيئًا لكم بَذلُ الأرواح رخيصَةً في سبيلِ الله، ودُعاؤُنا لكم أن يتقبَّل الله شُهداءَكم، وأن يكتُبَ لمرضاكم وجرحَاكم عاجِلَ الشفاء والعافِية, وإن مما يبعَثُ على التفاؤُلِ والبشائِرِ هذا التفاعُلُ الإسلاميُّ الشعبيُّ والرسميُّ لأمَّتنا الإسلاميَّة مع إخوانِهم الصامِدين في فلسطين، وفي رِحابِ الأقصَى الشريفِ.
وتحية لسلطنتنا حكومة وشعبا مُبادراتُها الإيجابيَّةُ القويَّةُ، والتي تُؤكِّدُ ثباتَ مواقفها في حفظِ حقِّ المُسلمين في المسجدِ الأقصَى الشريفِ، وإحلالا للأمنِ والسِّلمِ الدوليَّيْن، وأن مِن حقِّ المُسلمين العودةَ لدُخُول المسجدِ الأقصَى وأداء الصلاةِ فيه بكلِّ أمنٍ وسلامٍ والدعوةُ مُوجَّهةٌ إلى المُسلمين جميعًا بالواجِبِ المُحتِّمِ في مثلِ هذه الظُّروفِ العَصِيبة للوحدة الإسلاميَّة، ودَعمِ ونُصرةِ إخوانِنا المُرابِطِين في فلسطين والأقصَى، بكل ما تيسَّر مِن سُبُل وبكل الوسائل المتاحة لكم، واللَّهَج بالدعاء لهم بالنصرِ والثَّبات, فالدعاء سلاح رباني فتاك فتضرعوا لله بأن ينصر إخواننا في فلسطين وأن يحرر الأقصى من أيدي اليهود الغاضبين.
اللهم حرر المسجد الأقصى من أيدي اليهود , اللهم انصر اخواننا في فلسطين, اللهم تقبل شهدائهم، وداوي جرحاهم، وفك أسراهم، وثبت اقدامهم وسدد رميهم, و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.