الباطنة السريع”.. من الحلم إلى الواقع
طالب المقبالي
احتفلتْ عُمان بأسرها بافتتاح طريق الباطنة السريع أمام الحركة المرورية.. ذلك الحلم الذي أصبح حقيقة واقعة، بعدما كان ضرباً من ضروب الخيال.
ففي السابع من مايو الجاري، وُلِد عهدٌ جديدٌ في عالم الطرق السريعة، طريق الباطنة السريع الذي يمتد على طول 272 كيلومترا، رابطاً ثلاث محافظات ببعضها البعض؛ هي: مسقط، وجنوب الباطنة، وشمال الباطنة، عبر مروره من خلال عدة ولايات. هذا الطريق صُمِّم بأربع حارات في كل اتجاه، وتم تصميمه بأعلى المعايير الهندسية، ووفقا لأحدث المقاييس والمواصفات الفنية. كما زُوِّد بأعمدة إنارة بمجموع يزيد على 11.400 عمود إنارة، إضافة لـ250.000 من العواكس الأرضية ذات الجودة العالية والمواصفات العالمية.
ولتأمين الانسيابية الكاملة والتامة للحركة المرورية على طريق الباطنة السريع، فقد تمَّ إنشاء ما مجموعه 52 منشأً خرسانيًّا؛ مشتملة على: 23 محولاً للحركة، و17 جسراً علويًّا، و12 ممراً أرضيًّا للمركبات، ورُوْعِي في إنشائه أيضاً أن يكون صالحاً لجميع أحوال الطقس، وعدد 25 جسراً للأودية، و1.106 عبَّارة صندوقية بمختلف القياسات والأحجام، واعتمدت سرعة 198كم للرياح كسرعة تصميمية في الأجزاء التي يلزمها ذلك.
لقد استغرقَ العمل على هذا المشروع حوالي ست سنوات، وقد بلغ عدد العمالة في هذا المشروع حوالي 19700 عامل من مهندسين وفنيين ومختصين وعمالة، كما تم في المشروع تشغيل 4320 مُعَدة لإنجازه.
هذا الطريق يعدُّ نقلة كبرى في مستقبل محافظتي جنوب وشمال الباطنة، والذي سوف يُسهم في تحقيق أهداف رؤية الحكومة لتنشيط النقل البري واللوجستي، وسوف يَدْعَم الجانب الاقتصادي والسياحي والتجاري، وسيكون مُحرِّكاً فاعلاً في هذه المنطقة، كما سيكون مُحركاً للنمو العمراني والحضاري على طول مساره، وتوجد على جانبيْ الطريق حالياً ثلاثة مشاريع ضخمة؛ هي: مشروع جامعة عمان، ومدينة العلم والتكنولوجيا المرتبطة بها، والمدينة الطبية، ومشروع خزائن المدينة اللوجستية، ويعتبر الطريق ممراً لوجستيًّا؛ وذلك بعد نقل حركة الأنشطة التجارية من مسقط إلى صحار، وأصبح ربط ميناء صحار بالعاصمة مسقط عن طريق الباطنة السريع من خلال عبور جميع السلع والبضائع من صحار عبر هذا الطريق بشكل سلس.
ويعدُّ هذا الطريق مُتنفَساً لجميع أبناء السلطنة الذين عانوا أكثر من أربعة عقود من طريق الباطنة الحالي للمتجهين إلى شمال السلطنة والعكس؛ فهذا الطريق قد أدى دوره على أكمل وجه، إلا أن التوسع العمراني والنمو السكاني المطرد جَعَلا من هذا الطريق غير ملائم لهذه المرحلة؛ فكان توجه القيادة الرشيدة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- بإنشاء طريق الطريق قراراً صائباً ومدروساً بعناية.
وبالعودة للماضي قليلاً، حين أُعلن عن افتتاح طريق مسقط السريع الذي لم نسمع عنه ولم نشاهد مراحل تنفيذه، نجد أنَّ الإعلان عن افتتاحه كان له وقع إيجابي كبير، وسط ذهول الكثير ممن زاروا هذا الطريق مع بدايته؛ للتضاريس الصعبة التي مر بها وسط الجبال والتلال التي شُقَّت بعناية وإتقان.. والكل اليوم يشهد بأن هذا الطريق قد خفَّف المعاناة عن مُرتاديه القادمين لمسقط من مختلف ولايات السلطنة والمغادرين منها.
وبعد فترةٍ وجيزةٍ، أُعلن عن بدء تنفيذ طريق الباطنة السريع الذي سيبدأ من نهاية طريق مسقط السريع، وسرعان ما تم افتتاح المرحلة الأولى من هذا الطريق لمسافة قرابة 20 كيلومترا إن لم تخُنِّي الذاكرة، ومن ثمَّ توالت مسيرة العمل على هذا الطريق، وتم الإعلان عن افتتاح 19 كيلومترا أخرى حتى ولاية بركاء.
لقد كان هذا الطريق حُلماً بعيدَ المنال، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تعصف باقتصادات العالم، وقد كانت هناك شكوك لدى المواطن العادي حول مقدرة وزارة النقل والاتصالات على إكمال الطريق، وكانت الأفكار تتجه نحو الظروف التي واكبت طريق الباطنة الساحلي والعراقيل التي حدثت خلال تنفيذه. إلا أن الإصرار والإرادة والعزيمة لدى القائمين على المشروع كانت وراء تحقيق المعجزات، حيث توالى افتتاح الحِزم من بركاء إلى الحزم بولاية الرستاق، ثم إلى الحوقين.
وها نحن اليوم نشهد اكتمال الحلم الذي لم ننتظره طويلاً، للفترة القياسية التي تم فيها إنجاز أجزاء هذا الطريق الحيوي الذي سيختصر المسافات بين المحافظات، وصولاً لحدود السلطنة مع دولة الإمارات العربية المتحدة.