ملحمة غزة
حين يزمجر السلاح ويزمجر الشعر
رأئعة الشاعر الكبير/ سالم بن علي الكلباني
سلطنة عمان – مسقط
أثــبـــتَّ أنـــك قــــوة لا تـُـقــهــرُ
كبُر المُصابُ وكبرياؤك أكبرُ
روحٌ محلّقةٌ وعزم شامِخٌ
وإرادةٌ عن حقّها لا تفترُ
وتجذُّر في الأرضِ مهما حَاولوا
أن يقلعوهُ فإنَّهُ متجذّر
حسبوكَ مثل الآخرينَ فأمعنوا
في بَطشِهِم وتغطرَسوا وتجبّروا
فأجابَتِ الأحداثُ أنك فوقَ ما
حسِبَ الطُّغاةُ وفكَّروا وتَصوَّروا
أَعييتَ قولَ القائِلينَ فما لَقُوا
نظماً ولا نثراً بمثلك يجدُرُ
آمنتَ بالله العظيم وثورةٍ
جبّارةٍ للظالِمين تدمّر
ووقفتَ في وجهِ الطُّغاةِ تؤزُّهم
أزّاً وبأسُكَ بالصواعِقِ يُنذِرُ
بُهِتَ الذين يُواجِهونَكَ إذ رَأَوا
تِلكَ الشجاعةُ واللَّظى يتسعّر
قالوا أَإنساناً نرى أم مارِداً
ينقضُّ يقصفُ يستفزُّ يُزمجرُ
يرتدُّ إعصارا إذا زحزحتَهُ
زحزحتَ عِفريتا بِوجهِكَ يَزأَرُ
لله درّك صامداً والموتُ مِن
كلِّ الجهاتِ بِشَخصِهِ يتعثّر
حوّلتَ أحلامَ الغُزاةِ مصائِباً
نَدِموا على تَصديقِها وتحسّروا
وطَبعتَهُم بالذّل رغم عتوِّهم
وَهِنوا وهانُوا وارتَموا وتدَهوُروا
لم يُثنِكَ المُتصهيِنُونَ ومن على
أقدامِ خِزيِهِم انحنَوا واستحمَروا
ضرّوك شيئاً ما ولكن ضُرّهم
عارٌ بِهِم حتى القِيامَةِ يُذكر
سيحاسَبونَ على قبيحِ فِعالِهِمْ
حينَ القبائِحُ والمحاسِنُ تُنشرُ
علّمتَهم معنى المقاومة التي
لا كاذبٌ فيها ولا مُستأجر
لا خائنٌ لا فاسِدٌ لا تاجِرٌ
بِدَمِ العروبة والقضيّة يَتْجُرُ
علّمتهم أن اللصوص وإن حَلَت
أوقاتهم دهرًا فسوف تكدّر
علمتهم أن الدماء رخيصةٌ
إن كان عاقبةَ الدماء تحرّرُ
عن أي إصرار وأيّةِ هِمَّةٍ
يا ابن الصناديد الأشاوس تُصدِر
أحرجتَ أصحابَ الكراسي رغم ما
هم فيه فالتفتوا إليكَ وكبّروا
واستنكروا بالقولِ ما عانيتَهُ
لكنّهُم بالفعل لم يستنكِروا
لو أنهم قاموا بواجبهم لما
هنِئ الصهاينةُ اللِّئامُ وعمّروا
ولما تطاول من يُريدُ لك الردى
في حينِ من يبغي حياتك يقصر
خذها تحيّةَ أمةٍ عربيّةٍ
فيها البنادق والمدافع تهدُرُ
فيها من الشَمَمِ القديمِ بقيةٌ
ما طوّعتها للخنوع الأعصُرُ
بَعثت إليك بها عُمان وِضمنها
نصرٌ يلوح وبشريات تُزهر
وقلوب أبطال يسرّك أن ترى
سُحب الثناءِ عليك منهم تُمطر
طار الحماسُ إلى (حماس) بهم ولو
وجَدوا إِليها منفذاً ما قصَّروا
لولا حدودٌ خطَّها مُستعمرٌ
أيّام فرّق بيننا المُستعمر
تأبى كرامتُنا ويأبى دينُنا
أن يستبدّ بكم عدوٌّ أحقرُ
نصرٌ علينا واجبٌ لا ننثني
عنه وأنتم حقّكم أن تُنصروا
أنتم جنودُ الله في حرماته
بكم الكرامةُ والشهامةُ تفخَرُ
أنتم رُجومُ المعتدينَ وحتفُهُم
بِكُم الطواغيتُ العتيّة تُدحر
شرّفتم الأحرار باستبسالِكُم
وبِرفضكم ما شاءهُ المستكبرُ
وكتبتمُ التأريخ غير مشوّهٍ
بدمٍ على صحف الحقيقة يقطُر
وبعثتم الشمم العُروبيّ الذي
قد كادَ في جوفِ المذلّة يُقبر
لولا عزائِمِكُم وصدقِ جِهادِكُم
لم يبقَ للأجدادِ فضلٌ يُذكر
لم تألفوا ترفَ الحياةِ كمثلِ من
بِلذائذ العيش الرغيد تخدّروا
أطفالُكم نشأوا على قِمم العُلا
لا عابث منهم ولا مستهتر
أشقتكُمُ الدنيا فأشقيتُم بها
أعداءكم حتى اشتكوا وتضجّروا
حجرٌ به بدأت مسيرتكم على
درب الخلاص فلاح ثمّة مَعبر
والآن أنتم تَرجُمون عدوّكم
برواجمٍ في عمقه تتفجّر
ذُهلوا لكون الأرضِ ترجفُ تَحتهم
والجوُّ من لهبِ القذائفِ أحمرُ
يتزاحمون على الملاجئ مثلما
تتزاحمُ الجِرذان لحظةَ تُذعر
لا شُلّتِ الأيدي التي صنعت ولا
هانَ المهندس حينَ هب يدبّر
أعطاكُمُ الخلّاقُ ما لم يُعطِهِ
أُمماً بقائمة الغِنى تتصدّر
أما قضيّة غــــزّةٍ فقضيةُ
أبطالها في الكون لن يتكرروا
ثبتوا وأشهدُ أنهم بثباتهم
قد روّعوا جيشَ العدوّ وحيّروا
ما ساوموا في دينهم، في أرضِهم
في عرضهم ، ما فرّطوا ما زوّروا
لم يعقدوا صفقات ذلٍّ مثل من
عقدوا وعن نهجِ العُروبةِ أدبروا
ما نسّقوا عندَ العدو لأمنِهِ
ما حاصروا الثوّار كيلا يظهروا
صاروا فدائيينَ مِلء نُفوسهم
أملٌ وإيمانٌ وعقلٌ مبصر
خذلتهم العربانُ لكن ربّهم
كان الكفيلُ لهم بأن لا يُقهروا
لا يملكونَ منابعاً ومناجماً
للمالِ ما هو أسودٌ أو أصفر
مَلَكوا نفوساً حُرّة قد آمنت
بالله يَمْددُ عمرها أو يقصر
تتشرّف الكلماتُ وهي تَسُلُّهم
مثل السيوفِ على الأعادي تُشهر
وتجيءُ أفواجاً يسابق بعضها
بعضاً ومن نبع الخلود المصدرُ
لا شك أن الله رافعَ قدرهم
رفعَ المشاعر حين فيهم تشعر
علماؤهم زعماؤهم شعراؤهم
تُحنى الجباه لهم وتُلوى الأعصُر
أحببتهم حبّا بقدرِ جهادِهِم
وبقدر ما ضربوا الطغاةَ فأثّروا
وبقدر ما صبروا على قهرِ العِدى
لم يُذعنوا لم يُكسروا لم يُعصروا
أحببتهم والله إني صادقٌ
والحبُّ منه صادقٌ ومزوّر
وشكرتُ حرف الراء حين أتاح لي
كَلِماً به صوت الضمير يعبّر
ما ضاق وُسعاً بالذي أمليته
مما أُسرُّ من الشعور وأَجهر
إن يصعب البيت العنيد أداره
وأعاد صيغته بِما هُو أَخيرُ
فكأنه عبدي المطيعُ يقول لي
لبيك تنهى إن أردت وتأمر
وأتى يؤازرني ببحرٍ كامِلٍ
كالبحر بالدُّرِ المنظَّم يزخر
فغرفت منهُ ما أردت ولم يكن
أبداً يمُنّ عليّ أو يستكثر
لا تحسبوا شيبي أضاعَ ملاحِمي
كلا فإني في الملاحِم عنترُ
ما كنتُ أرضى السَّهلَ لو لا أنني
لمهمَّة العمل الكبير أقدّر
فعسى أحقق بعض ما أمَّلتُ إذ
باشرتُ عن شرف الجهاد أسطّر
ناديتُ في الأحرار بورِكَ سعيُكُم
وصرختُ بالمستَعبدينَ تَحرروا
ودفعتُ بالمُتهاوِنينَ لينهضوا
ويجددوا عزماتهم ويشمّروا
ويجاهِدوا في الله حقّ جهاده
حتى يعود القدسُ وهو مطهّر
وحزنتُ للعرب الذين استهتروا
بالثأر للمظلوم بل وتنمّروا
ونسوا القضيّة والحميّة والحِمى
وتخاذَلوا وتنازلوا وتنكّروا
اللهُ يَهديهِم ويُصلِحُ شأنهم
كيما يصيروا راشِدينَ ويَكبُروا
وَصَفوا المُقاوم أنّه متوحشٌ
مــتــفــرّدٌ بــقــراره مــتــهوّر
وَصَموه بالإرهابِ وهو يموتُ كي
تحيا العدالةُ والحقيقة تظهر
والحقُّ أولى أن يقال فزعمهم
ظلمُ وبهتانٌ وكِذْب أعور
ما كان إلا مستعيدا حقّ من
قد قُــتِّــلوا أو عُــذبوا أو هُجّروا
شكرا أخا العزمات قد أعطيتَنا
حق التفاخُرِ حين يزهو المفخرُ
سَلِمتْ عزيمتك التي ما استسلمت
رغم الذين تصهينوا وتنصّروا
ضَربوا لَكَ الأمثال كي تحني لهُم
رأس القضيّة علّهم أن يظفروا
فصفعتَهم بالرفض صفعة ثائر
كَشَفَ الذي قَدِموا به وتستروا
قالوا اعتدل فالاعتدالُ غنيمةٌ
واستجدِ أمريكا فحظك أوفر
ألقِ السلاح ودع مطالبة بما
أصبحت تدرك أنه متعذّر
قلتَ اعتدل تعني انبطِح في عُرفكم
والإنبطاحُ ببالنا لا يخطر
أنتم ترَون الموتَ ختم مطافِكُم
ونراهُ بدء سعادةٍ لا تُحصر
أنتم لكم جنّاتكم ونعيمكم
في هذه الدنيا إلى أن تحشروا
ولنا إذا نلنا الشهادة موعدٌ
مع جنّة فيها نُعزُّ ونُحبر
ماذا يظُن الغاصِبونَ لأرضنا
أنقول أن الاحتلال مقدّر ؟
كلا فإن الله قال لنا انفروا
والخاسرُ المغبونُ من لا ينفر
ماذا يريد السارِقونَ بيوتنا
أنقول طابَ مقامُكُم يا معشر ؟
أنرشُّهم بالوردِ والريحانِ كي
ترتاح أنفسُهم ولا تتكدر؟
خسِئوا فسوفَ نقولها ونُعيدها
جئتم لكيما تُسحقوا وتفَجروا
جئتم لأرض معادكم لحصادكم
فالله أوعدكم بأن لا تُنظروا
عودوا إلى تِلمودِكم وتصفّحوا
تجدوا دلائله بهذا تُخبر
من قال يا مستوطنون تفضّلوا
هذي فلسطينُ اسكنوها واعمروا
وتفيئوا ظِلّ السعادة فوقها
واستوطنوها واهنؤوا واستبشروا
لا لا فأهلُ الأرضِ ما زالوا بها
وحقوقُهم في أرضِهِم لا تُنكر
إن كانتِ الدولُ الخبيثةُ قررت
أن يدخلوها غاصبين وينصروا
فهناكَ ألف طريقة وطريقةٍ
ستُزيلهم مهما عتوا وتحجّروا
كل الوسائِلِ للجهاديين قد
صارت تُتاحُ وتُستزادُ وتكثر
قالوا لعزرائيل دعنا نَنتزع
أرواحهم إنّا بذلِك أخبَرُ
سَنَجيئُهم من حيث لم يتوقعوا
أو يحسبوا أو يخبروا أو ينذروا
سنجيئهم من فوقهم وأمامهم
وورائهم لهباً يذيب ويصهر
نستلهمُ الطاقاتِ من قرآنِنا
فبِهِ وقدرة ربنا نستبشِرُ
هو عقدةُ الإرهابِ في أذهانهم
ولنا هو الأفق الفسيح النيّرُ
مسقط – سلطنة عمان