الكرة بملعبك والقلم بيدك
د. رضية بنت سليمان الحبسية
تشير عبارة “الكرة في ملعبك” إلى أن “الأمر عائد إليك”، ونقصد بها هنا امتلاك الفرد سلطة ذاتية لاتخاذ القرار، فهو سيّد الموقف، ويملك زمام الأمور في الجوانب المرتبطة به. أما عبارة “القلم بيدك”، فهو مصطلح نعني به، امتلاك الفرد مساحة من الحرية في اعتماد ما يراه مناسبًا، مع تحمل تبعات ما يعتمد.
كانت تلك فقرة كمدخل ارتأيت التمهيد بها لموضوع مهم وحديث الساعة، مع قرب انتخابات أعضاء ممثلي الولايات في مجلس الشورى للفترة العاشرة، حيث تكثر الآراء والمواقف حول فاعلية أساليب وطرق الترشح، والتسويق للحصول على أكبر عدد من الناخبين، وبالتالي امتلاك المترشح تذكرة عبور إلى العمل البرلماني، واعتلاء قبة المجلس، وهي مكانة وظيفية ومنزلة رفيعة، تحيط بها من الأخلاقيات الشرعية والقوانيين التشريعية، ما تُملي وتفرض على العضو المترشح مسؤوليات جسام أمام الله وأمام المجتمع.
وفي هذا الواقع، نشير إلى التباين في وجهات النظر وردود أفعال الناس، حول مدى المصداقية والأمانة القيمية، التي تكتنف أساليب وتقنيات الترشيح، وإدلاء أبناء المجتمع بأصواتهم للمترشحين، كأن تُتبع أساليب غير شرعية، وغير أخلاقية في جلب أصوات واستعطاف الناخبين؛ لاعتبارات شخصية ومجتمعية مختلفة. ولا يعني ذلك أن هناك ما يمنع من اجتماع عدة مبررات معًا؛ لترجح كفة أحد المترشيح، كالتمكن علميا ومعرفيا، والمكانة الاجتماعية، والسمات الشخصية الأخرى، التي تؤهله للقيام بالدور البرلماني المطلوب منه، فتلك العوامل مجتمعةً، حتمًا ستعزز من قدرته على التأثير الإيجابي مجتمعيًا وبرلمانيًّا، وتمثيل ولايته تمثيلًا يرتجيه أبناؤها، وتحقيق تطلعاتهم الحالية والمستقبلية.
كما نُشير في هذه المقالة أيضا، إلى التطور الذي شهدته العملية الانتخابية في الاستفادة من التحول الرقمي في العمل الحكومي، فبالرغم من إيجابيات التوظيف التقني والرقمي لتلك العملية، والتي أُضيفت في الفترة العاشرة لانتخابات أعضاء مجلس الشورى، كالسرعة والدقة في الإجراءات الإدارية والتنظيمية، كذلك مراعاةً لبعض العوامل الاجتماعية المرتبطة بظروف وإمكانات أفراد المجتمع، ولربما السرية والحرية التي يمكن أن تُتاح للناخب للإدلاء بصوته كانت أبرزها، إلا أنه قد تكون هناك محاذير سلوكية، تتمثل في الاستغلال المسيء لهذه التقنية، والعمل كفرق عمل جماعية، أعضاؤها ممن يعملون لصالح أحد المترشيحن، لمساعدة الناخبين على هيئة مجموعات من منازلهم للإدلاء بأصواتهم؛ تحت مظلة القصور في استخدام بعض البرامج الإلكترونية، كأحد المسوغات التي تدفعهم لطلب المساعدة من قبل متمكنين ومختصين في استخدام تلك البرامج. وبهذه الصورة، لن تخرج نمطية الانتخابات في محاولة شراء أصوات جماعية – إن جاز لنا التعبير- في الحصول على أكبر عدد من الناخبين، وهو ما يُقلق المترشحين المنافسين على مستوى الولاية، ويبرره الكثير ممن يعزفون عن المشاركة المجتمعية في العملية الانتخابية برمتها، سواء كمترشح أو ناخب، على الرغم من توفر عنصري القناعة بأهمية ودور مجلس الشورى، والإحساس بالمسؤولية المجتمعية كعضو فعّال في المجتمع.
وعلى الرغم من وجود بعض تلك الممارسات الخاطئة، والتي لا ترتبط بالمجتمع العماني فحسب، بل تشيع في مختلف المجتمعات على المستوى الدولي، بأشكال وصور متعددة، إلا أننا هنا ندعو للاستفادة من أخطاء الآخرين، والأخذ بدروس مستفادة من تلك التجارب؛ للإنطلاق بتجربتنا الشوروية والبرلمانية التي تمثل صوت المواطن أمام الحكومة، بأن تكون تلك الأصوات من النزاهة الأخلاقية والشفافية المطلقة، التي تجعل منها تجربة فريدة يُشاد بها، ويُشار إليها بالبنان، ويفخر بها كلا الطرفين الحكومة والمجتمع، لتكون تجربة عمانية متميزة على المستوى الدولي، عربيا، وعالميا.
في الختام نوجه كافة أبناء المجتمع بأهمية الاحتفاظ بحقهم في الانتخابات عن قناعة تامة في العضو المترشح، وعقلية مُدركة لدوره المجتمعي، ونبذ العوامل الأخرى المتمثلة في المصالح الشخصية، والظروف الاجتماعية، والنزعة القبلية أو المذهبية والطائفية، فنحن أبناء مجتمع واحد تجمع بيننا مصالح مجتمعية مشتركة، نعيش في رقعة جغرافية واحدة، ونتمتع بحقوق وطنية متماثلة، ولا مجال للفروقات البينية لأن تكون محركًا للظهور، أو تمثيل فئة أو طبقة أو قبيلة ما في هذا المجلس، وغيره من المجالس البرلمانية والشعبية، كالمجلس البلدي على سبيل المثال، فشعار “صوتك أمانة” كفيل بأن يُحرك حس المسؤولية المجتمعية، ويوقظ الشعور الأخلاقي في إدلاء الفرد بصوته، فالكرة فعلا بملعبك، والقلم بيدك.