صديق المطر
مريم شملان
إنه الليل.. وهو يجمع الصغار لسماع حديث الكبار، ينصتوا لهم باهتمام والمطر الزائر ينزل على سقف المنزل، وهذه الليلة سيبقى ساهراً لن ينام، والأقرباء والجيران الطيبون يسهرون في البيت العتيد في وقت قد مر وذهب ودار وقته، يتحدثون عن “سيدة الليل” التي تأتي لتمر عليهم ليلاً لتضع أمام أبواب منازلهم الحنطة والشعير في كل شتاء، وهي التي أشبعت الفقراء والمُتعبين، وهي التي أوقدت لهم النار وأدفئت الكبار والصغار، يتحدثون عن “صويرة وابنتها” وكم لها من الأولاد، ثم يأخذهم الليل بين صوت الرعد وغزارة المطر لحكاية “يسمة وولد الشيخ” حتى يصلوا لحديث الجارة التي تدعوهم للصمت وعدم إصدار أي صوت، والصغار ينكمشوا تحت الأغطية من شدة الخوف لتُخبرهم عن “عوشة والهام”، والصغار صامتين لا حِراك وهي تقص لهم حكايات تُبهجهم وقد تُخيفهم، تُخبرهم عن صديق المطر الذي يطوف على الجبال والصحراء والمناطق والمنازل ويطرق الأبواب، ويُخبر الرعاة والبدو وأهل البحر والمزارعين بالقرى المتفرقة بأنه صديق المطر، وأنه آتٍ ليصطحب أطفالهم حتى يساعدوه في جلب البذور من “وادي الخير” والتي يَسكن فيها صديقه المطر، وقد رفضوا الأهالي خِشية إنه لن يعود بأطفالهم، إلا اليتيمة فاخبروه الأهالي بأنها هي تستطيع الذهاب معه، نظر إليها صديق المطر والأهالي كانوا لها ينظرون، وهي كانت قد وقفت بجانب صديق المطر ومضى أمامها ومضت هي على إثر خطواته ليكمل الطريق لزيارة صديقه المطر.
وكانوا يحملون الأحلام والأماني إلى المطر، على وعد منه انه سيأتي إليهم زائراً في موسم الشتاء بالفرح والخير العميم، لسعادة أطفالهم ونمو الحقول والمزارع والمراعي لمواشيهم، وهو سعيد بأمانيهم وأحلامهم التي ستكون مُحققه عند عودته بالشتاء مُحملاً
بالخير من أمطار وبَرد، وبليالي ينزل الخير فيها من السماء ويزيح بالرياح الباردة موسم الصيف ليدفعه للعودة إلى دياره، ويرحل ليأخذ في رحيله والرياح الحامية والرطوبة، والشتاء سَيُلبس قُراهم وبلداتهم الثوب القشيب، بالخضار الذي يُبهج النفس.
وتستمر الجارة في الحديث عن خير الشتاء وعن اليتيمة التي عادت فيما بعد من زيارتها بالفرح، وبالثياب الخضراء الجديدة، تحمل بيدها قطعة مطوية من قماش بداخلها بذور القمح والشعير، لتنثره بالأرض ويسقيه المطر عندما يأتي إليهم في الشتاء، وبنهاية حديث الجارة بدأت الأغطية التي كانت تخرج منها الرؤوس الصغيرة.
منذ بداية الليل قد تدلت وأكملت بِساطها وأغمضت العيون امتثالًا لأمر سلطان النوم، لتكمل الأحلام أُمسيتها في نسج خيوط هزيلة لا تتحمل أن تقف تحت المطر المُنهمر، فيذوب ويختفي بعضها وبعضها يبقى عالق في مخيلة الصغار وإن توارت تلك المساءات وإن تبدلت الأوقات، سيبقى ذلك الخيال يأتي كلما أتاهم المطر زائراً، وإن كانوا الصغار قد استيقظوا وغادروا في أحد الصباحات ورحلوا من ذلك المكان، والطيبون ذهبوا إلى مكانٍ بعيد ليس فيه طريقاً للعودة، ولا يستطيع المطر أن يصل إليهم في تلك الديار البعيدة.
——————
١-صويرة اسم مشتق من الصورة
٢-الهام-شخصية خرافية من الموروث الشعبي العُماني