نورٌ مبين
طيبة بنت سعيد المحرزية
كنتُ ساذجة جداً عندما ظننتُ أن الحياه ليست إلا طعاماً وشراباً ونوماً وسفراً، وأن الحياة ليست إلا عالَماً مادياً بحتاً، ولكن ليست هذه هي الحقيقة التي نبحث عنها، ولأننا نعيش في عالم مادي بحت، أصبح موضوع تفكيرنا تفكيراً مادياً.
كنتُ مشغولةً جداً بترتيب البيت، ماذا أغيّر؟ ماذا أبدّل؟هذا ليس مناسباً أن أضعه هنا، سوف أغيّر مكانه.
وعلى الجانب الآخر صوت التلفاز المزعج بقناة الأطفال، وأنادي بصوتٍ حادٍّ: حوراء، أخفضي صوت التلفاز، ولكن يا أمي حوراء ترفض أن تُعطيني الجهاز، ماذا عليّ أن أفعل يا أمي، لا بأس يا ابنتي، دعيها وشأنها، سوف آتي بنفسي وأجلس معكما.
فجأةً شعرتُ بتعبٍ واستلقيتُ على الأريكة، وقمتُ أردّد بعض الأذكار، وأنا أقرأ شعرتُ بنورٍ ينبثق من جسدي المتعَب والمرهَق، وكأن صوتاً يناديني: تمسّكي بالنور، لا تشغلكِ عنه ملذّات الحياة. ولكن ما هذا الصوت ياربي الذي يهتز بداخلي ويناديني؟
شعرتُ بتيارٍ يجذبني، ونبضات قلبي تضطرب، يا رب، يا رب، لم أعد أحتمل، الصوت يرن في أذني:
أين أنتِ من قول الله تعالى (رِجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِاللهِ وإقام الصلاةِ وإيتاءِالزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوبُ والأبصار)، سورة النور – الآية 37.
كان شعوري في تلك اللحظة غريباً بعض الشيء، خرجت وأنا أبحث عن النّور، أين وضعته؟ كم كنت مغفلة، أدركتُ حينها أن النور الحقيقي هو (كلام ربي)، ربما ذلك الصوت أراد لي العودة، أراد لي القوة مع نفسي أولاً حتى أتغير، سبحانك ربي ما أعظمك!
هدأت نفسي قليلاً، وهرعتُ إلى الدولاب، وأخذت مصحفي واحتضنته بقوة ودموعي تسيل كالسيل، رفضت أن تتوقف دموعي، وفتحتُ مصحفي على فاتحة الكتاب مستبشرةً بالخير الذي ينتظرني، لم أكن أحفظ من القرآن غير الأجزاء الأخيرة، والتي أقرأها في صلاتي فقط، ولكن هذا صوت غيّر الكثير في نفسي، وفي نظرتي للحياة.
بعدها ارتبطتُ بمجموعة من مجموعات الحفظ، وكانت بدايتي صعبة لأنني لا أتقن أحكام التجويد، وبدأتْ مسيرتي الأولى في حفظ سورة البقرة وبفضل من الله استطعتُ حفظ السورة وانتقلت إلى سورة آل عمران، وبعدها سورة النساء، حتى منّ الله عليّ بدخولي إلى مشروع: في كل بيت حافظٍ للقرآن الكريم، كانت فرحتي تزداد يوماً بعد يوم بحضور حلقات الحفظ، ووضعت لنفسي هدفاً بأن أختم المصحف الشريف، وأرجو أن يثبتني الله على هذا الطريق، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وكل هذا بفضل من الله تعالى لأَجد نفسي الآن وقد أتممتُ حفظ عشرين جزءً، واضِعةً نصب عيني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)، رواه الترمذي.
نحن في الدنيا نحتاج إلى سعي وإلى جِهاد حتى نصل إلى برّ الأمان، ولن نبلغ الأمان حتى نستقر في الجنة.
كلام الله عظيم، ومن أراد أن ينال العزة والرفعة فليتمسك بحبل لله المتين، حتى لا يغرق، وحتى يكون سبباً في نجاتنا جميعاً.