درسٌ من الحياة
أحمد الحضرمي
كان سالم في التاسعة عشر من عمره، ولديه صديق منذ أن كان في المراحل الأولى من عمره، كان مستودع أسراره، يأمن إليه كثيراً، فقد كان صديقاً عزيزاً إلى قلبه لدرجة أنهما يتقاسمان كل شيء، لقد آمن به حتى جعله أخاً له وليس مجرد صديق، لقد رأيتهما بأمّ عيني وهما يتقاسمان الطعام، مما أثار استغرابي شخصياً.
قرر سالم أن يتزوج ابنة خالة صديقه العزيز، فتمت الخطبة واقترب موعد عقد القِران، حتى رنّ هاتف منزل عروس المستقبل، فإذا بشخص مجهول يخبرهم كذباً وزوراً وبهتاناً بكل مساوئ العالم التي جمعها في سالم، فضجّ المنزل بالبُكاء، فهي كارثة حقيقية إن كان الكلام المنقول صحيحاً.
طلب سالم العروس من إخوتها (فقد كانت يتيمة الأب)، أخبروه بما حصل، ولكنهم رفضوا إخباره بشخصية المتصل، فقد اتضح لاحقاً بأنه شخصية معروفة لديهم، طلب سالم مواجهة هذا الشخص، ولكنهم رفضوا، فرفض هو كل التُهم الموجهة إليه، أراد المتصل أن يخلق مشكلة ويعرقل الخطبة، ولكن إرادة الله فوق إرادته وفوق كل شيء، فقد تمت الخطبة وتم الزواج، فقد كانت ثقة الإخوة بسالم أكبر بكثير مما تم تناقله على الهاتف في تلك الليلة، كانت سعادته لا توصف، فقريباً سيكون زوجاً، حتى جاء اليوم الموعود، ففي تلك الليلة المتعارف عليها معنا بليلة “الدخلة” أصرّ سالم على زوجته لتكشف له عن شخصية المتّصل، حتى جاءت الإجابة كالصاعقة عليه، هل تتوقعون من هي تلك الشخصية التي حاولت أن تعرقل زواجه؟ لقد كانت مفاجأة صادمة حقاً، لقد كان صديق حياته ومستودع أسراره.
كانت تلك الليلة ليلة غريبة فعلاً، اجتمعت السعادة والحزن في قلب سالم، فلم يسلم حتى من أقرب أصدقائه، منذ الصباح الباكر حاول التواصل معه ولكن بدون فائدة، فقد عرف أنه انكشف على حقيقته، فصار يتهرب حتى اختفى لفترة وجيزة، عاش سالم بسلام رغم أن الكثيرين حاولوا جاهدين أن يعرقلوا زواجه ومستقبله، شخصيات اكتشفها لاحقاً، رجال، مع أن هذه الكلمة كبيرة عليهم، ولكنهم ذكور يحاولون جاهدين أن يتصنعوا الرجولة، وهي منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، حاول سالم تناسي الأمر والاهتمام بحياته ومستقبله، رفع ملفّه بالكامل إلى رب العباد منذ الليلة الأولى، حتى أخذ “حسبنا الله ونعم الوكيل” وِرداً له، فتكفّلت بكل شيء، فأخذ الله حق سالم كاملاً مكملاً وهو ينظر باستغراب للأحداث التي تمرّ أمام عينيه، وكأنه حلم، أو كأنه بطل أحد الأفلام السينمائية، ما حدث بأن المتصل ولن أكتب صديقه هذه المرة، قد توفاه الله بحادث بعد فترة قصيرة من اكتشاف حقيقته، أما الآخرون فلم تقم لهم قائمة إلى يومنا هذا، فهكذا هم الجبناء تجدهم لايستطيعون المواجهة وجهاً لوجه، سيعيشون جُبناء وسيموتون كذلك، نستخلص من قصتنا هذه.
أولاً:
بأن هناك شخصيات قريبة منّا جميعاً، لا تعرف صداقة ولا مروءة ولا شرف ولا رجولة، يجب الانتباه لهم، يضحكون إليك وقت حاجتهم لك فقط، ولكن إن انتهت المصلحة منك فهم مستعدون أن يأكلوا لحمك ويشربون دمك، وكأن شيئاً لم يكن.
ثانياً:
خصوصياتكم وأسراركم لا تجعلوها تخرج لأبعد من تلك الرؤوس التي تحملونها، فإن خرجت فتأكدوا بأنها سوف تعود إليكم لتستقرّ في قلوبكم حتى تقتلكم، وهذه حقيقة ستعرفونها على المدى البعيد من التجارب في هذه الحياة.
ثالثاً وأخيراً:
حافظوا على عبارة “حسبنا الله ونعم الوكيل” عندما تمرون بمواقف شبيهة، فلها قوة عظيمة في تصفية الحسابات، ويمكن أيضاً للقارئ الكريم أن يستنبط بعض الحِكم التي ربما قد غفلتُ عنها، لقد عاش سالم سالماً بعد ما تعلم الدرس جيداً سائلاً الله سبحانه أن يُبعد عن الجميع “رفاق السوء” الذين لا يدعون مسلماً في حاله إلا أكلوا وشربوا من دَمِه، أختم بقوله تعالى: “أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه” صدق الله العظيم، وإلى لقاء قريب بإذنه تعالى.”