إني مهاجرة (ج3)
خالصة السليمانية
هدأ الجميع، وقصّ على ألكس وأخبره أن المتوفي أخي التوأم، وأريد أن أعرف كل شيء عنه، جلس الاثنان على المقعد، وجلستُ على الأرض تحت الشجرة، وضعتُ يدي على خدّي أسمع ألكس وهو يتحدث عن أخ مارك التوأم.
أنا أعرف أخاك بيتر منذ بضع سنوات، أحببته، كان شخصاً يوثق به، تعاملتُ معه في بعض الأعمال، ولكن كان لديه أعمال خاصة به، كما أنه أخبرني أن والديه بالتبنّي قد فارقا الحياة، وأنه متزوج من فتاة عربية كانت تدرس هنا، أحبَّها كثيراً، وفي الأشهر الماضية كان يلاحقه مجموعة من الأشخاص ربما كانوا عصابة، لم يخبرني بالتفاصيل، ولكن الورقة التي أعطيتني إياها أوضحت كل شيء، فقد حصل سوء تفاهم بينه وبين هؤلاء الأشخاص مما أدى إلى قتله.
أيضاً في رسالته التي تركها لي أنه يجب أن أوصل أمانة إلى زوجته التي سافرت منذ سنة، أعتقد أنك الشخص المناسب في هذه المهمة فأنت أخوه.
رفض بشدة الذهاب.
بدون تردد كأنها تبرز عضلاتها قالت: أنا أساعدك.
تساعديني؟ بماذا تساعديني؟ هؤلاء الناس عصابة.
قال ألكس: هؤلاء الأشخاص أخذوا ما يريدون، لا أعتقد أنهم سيؤذونك، وربما إذا ذهبتَ ستتعرف على أخيك وزوجته.
مازَحتْ إيمّا ورتبت على كتفه وقالت: وأنت الشبح وتخاف؟
قال:
هل تخيلتِ حجم المخاطرة للذهاب إلى بلاد العرب؟
لستُ واسعة الخيال حتى أتخيل، القرار قرارك، افعل ما شئت.
بعدها رحلت عنه، لا تعلم ما الذي ضايقها أكثر، هل حديثه غير المنصف عن بلاد العرب؟ أم الخوف الذي شاهدته في عينيه؟
كانت الساعة السابعة مساءً، جلست وبجانبها مارك على مقعد الطائرة، ما زالت تلك العينان غارقتين بالخوف، بدت صورته في ذاكرتها تتلاشى، فكان بطلها حين رأته أول مرة.
همست في أذنه:
أيها الشبح، التفتَ إليها، لم يستطع أن يصطنع ابتسامةً على وجهه.
أتركب الطائرة لأول مرة؟
بالطبع لا.
شعور غريب تملكها حين وطأت قدماها المطار.
مارك تسمّر في مكانه، ترى رأسه يلتفت هنا وهناك، يتخيل أن إرهابياً سوف يفجّر نفسه في أي لحظة.
سارت إليه وأمسكت بيده، ولكن حين نظر إليها حاول أن يغيّر من ملامحه، ولكن محال، فهي صارت تعرفه، جلسا لأن الطابور كان متوقفاً بسبب مشكلة فنية، قالت: مارك أخمد خوفك فالناس يستقبلونك بالابتسامة.
ركبا سيارة أجرة، كان السائق لطيفاً جداً، رحّب بهما، كان يُجيد بعض الكلمات الإنجليزية، أخبراه بالإنجليزية عن وجهتهما.
ساعة ونصف في الطريق من المطار إلى الفندق، حجزا غرفتين، اتفقا على موعد ليلتقيا عند مكتب الاستقبال بعد أن يأخذا قسطاً من الراحة ثم ينطلقا إلى ما جاءا من أجله، سبقت إيما مارك وسألت موظف الاستقبال: كيف يمكنني الوصول إلى إحدى المدن؟ أجابها: إنها تبعد ساعتين تقريباً من هنا، شعرت أن مارك بدأ يشعر بالراحة.
سيارة الأجرة كانت تنتظرهما خارج الفندق، أخبرت السائق عن وجهتنا، هز برأسه قائلاً: أوكِ.
وصلنا إلى العنوان الذي كان على الورقة.
آنسة إيما كيف لنا أن نتواصل معهم ونحن لا نعرف لغتهم ولا من يكونون.
أنت لا تعرف لغتهم، هم ربما يعرفونها.
هل هذا دفاع عنهم أم أنكِ عُدتِ إلى مزاحكِ؟ ألا ترين أننا في مشكلة؟ ألم أقل لك إني سأكون معك لمساعدتك في هذه الرحلة؟ ضحك مارك ضحكة ساخرة، أمّا هي استعانت بأحد المارّة، كان رجلاً في الخمسين أو الستين من عمره، تحدثت إليه بالإنجليزية، ولكنه لم يفهم، نظر مارك إليها نظرةَ المهزومِ، ولكنها لم تمنحه ذلك النصر الذي بدأ في عينيه.
وبسرعة قبل أن يذهب الرجل نادته يا عمي بالعربية، علامات الاستفهام والتعجب والريبة والخوف ظهرت على وجهه، مارك: أهذه المساعدة التي كنتِ تقصدينها؟ وهل تحتاج إلى غيرها وأنت في هذه البلاد؟ صعدا إلى الطابق الخامس، كانت الشقة أمامهما، طرقا الباب، فتحت سيدة في الأربعين من عمرها تقريباً، ألقت التحية ثم التفتت إلى مارك:
أنت؟ وكيف لك أن تفعل بها ذلك؟ شدّت قميصه بقوة ومارك خائف منها.
قالت لها: ليس بيتر وإنما هذا أخوه التوأم.
هدأ الجميع ودخلوا الشقة. أخبرها أن بيتر توفي وترك معنا أمانة لزوجته إلين. صرخت وهي تقول: والمسيح والعذراء، هدأت قليلاً وأخبرتنا أن إلين ليست هنا، أنا عمتها، أقنعت أخي بأن تأتي إلين لتعيش معي من أجل الدراسة، ثم حصلت على منحة للذهاب إلى الخارج لتكمل دراستها، تعرفت على شاب هناك وتزوجته، على حسب رسائلها كانت سعيدة معه، وبعثت لي صورته، حتى أنها أكملت دراستها، ولكنها ظلت مع زوجها، كذبتُ على أخي على أنها ما زالت تدرس، ولكن منذ سنة رجعت وكانت حزينة مكسورة، حين عرف أخي بكل ما حدث لابنته أخذها معه إلى البيت، وقاطعني لأنه يعتقد أني أفسدت ابنته.
تعيش إلين في قرية صغيرة بعيدة جداً من هنا، يجب أن تذهبا إليها لتسليم الأمانة لها فأنا لا أستطيع، اذهبا في الصباح الباكر فالوقت متأخر الآن.
خرجا من هناك إلى أحد المطاعم لتناول العشاء، بدا الجو لطيفاً، نسمة من الهواء البارد تمر علينا حيناً وتختفي حيناً.
لماذا لا تأكل؟ ألا يعجبك الطعام؟
لا ليس كذلك، ما رأيكِ بكل ما حدث؟
من أي ناحية؟
من كل النواحي.