الرستاق تودع أمهر صناع الخناجر والفضيات
سعيد بن صالح الصبحي
في مساء يوم الثلاثاء انتقل إلى جوار ربه، الوالد راشد بن عبيدان العبيداني، القاطن في ولاية الرستاق بمنطقة( المحاضر ) تحديدا، في عمر يناهز ( 90 ) عامًا؛ وبذلك تنعى الرستاق، بل عمان قاطبةً واحداً من صنّاع الحرف التقليدية المَهَرة، ممّن برزوا في هذه الحرفة، ووضعوا بصمةً مشهودةً عبر الزمان، يعرفها التاريخ ولا ينكرها.
وعلى جانبٍ آخر، انطفأ ضوء البيت وسراجه الوقّاد برحيل عميده الأول بعد صراع طويل مع المرض، فقد ترجّل راحلًا دون رجعه إلى البيت الكبير الملقب ب ( البيت العود)، ذلك البيت الذي أسسه على دعائم متينةٍ مبنيةٍ على المحبة والمرحمة، ذلك البيت الذي ترعرعت فيه (77 ) روحًا ونفَسًا متحلّقين حول بركته، متنعِّمين تحت جناحه، وحسن رعايته.. فهو اليوم حتى مماته لديه ( 15 ) ابنًا و ( 125 ) حفيداً.
وجانب من حياته، فقد كان مضيافًا كريما، بابه مفتوحٌ للقاصي والداني، يُقرئُ الضيفَ دون هوادةٍ أو تثاقل، له وجهٌ تملؤهُ ابتسامةٌ لطيفةٌ، جميلُ المعاملة، قريبٌ إلى القلب، يتسم بالرزانةِ والحكمة، وفوق ذلك فهو صاحب صنعة أصيلة ألا وهي ( صناعة الخناجر والفضيات )، التي ورثها أبًا عن جد، فراح يترزّق منها حتى أبدع فيها وأجاد، فصار ماهراً في حرفتِه هذه، حتى غدى معروفًا في بلدانَ كثيرةٍ تهتم لهذه الحرفة العريقة، [ كنزوى وصور وصحار ومطرح ] وغيرها .. حتى علّمها أبناءَه من باب حفظ الموروث كي لا تندثر.
الوالد راشد، ظل في حرفته ( صناعة الخناجر وصياغة الفضيات ) أمداً طويلًا محافظًا على أصالتها وعراقتها، إذ كان يتفرَّدُ بهذه الحِرفة في سوق الرستاق ومحلُّه معروف، يقصدُه الكثير من الناس حتى أنهكه التعب وشاخت قواه، فما أسعفه الجسدُ على تحمُّل المشقة حتى أعياهُ المرض، فما استطاعت يده الماهرة التي كانت مبدعةً في زمن قريب تطاوعُه على استكمال المشوار ..
سيبقى اسمه خالداً في صفحات التاريخ، سيذكرون حرفته التي أتقنها أيّما إتقان، تلك التي تعهدها بيديه المفتولتين، فهو قد احتلّ مكانةً رفيعةً بين صنّاع الحرف التقليدية العريقة، رحمه الله وأكرم مثواه ..
رسالة:
نخشى أن تختفي هذه الحرفة الأصيلة في حين أنه قلَّ من يمتهنُها، فهي معرضةٌ للاندثار إذا ما قام كل حرفيّ بتعليم أبنائه وتوريثهم لها..
ومن جانب آخر، على الأبناء أن لا يغلقوا ملف هذه الحرفة بعد موت صاحبها، بل عليهم إحياؤها بشكل أو بآخر لتبقى راسخة يتوارثها جيل بعد جيل ..