سلطان بن سالم المعمري
أشرع بوصيتي المسائية الملقاةُ فوق جمر الفزع، ينهشها الفزع بضراوة، بشهيّة مفرطة، تذوب، تسيل بين أنيابه لعاب الخطيئة، الخوفُ من الغد آفة الانتظار، أشاهد فرحتي وهي تعدو مسرعةً بعيدةً عني، تأخذ مسافةً مخنوقة مني مترين ونصف المتر كفيلةٌ بأن تمهّد للجريرة دخولها الحاسم مسار العذاب السرمديّ، سُكب على جسدي دهن الميرون، لفَّ قطعة الكتّان على جسدي الآثم، وحنّط لتلقى الروح خلودها الآخر في جنة “أرو”، جحيم” كور” إنني خائف، خائفٌ من أن أُرمى خارج الأمكنة، الظلام، أو أن تصبح أجزائي الضائعة عن وطنها المغصوب نبتةً في وادي النطرون.
كم أنا شقيَّ! الشقاءُ وُلد معي منذ أن أصبحنا توأمَين للموت، أنجبتنا غربتنا هُنا في أرضٍ جُرُز، أَجل المنفى القريب. أراني كل يوم أرتدي ألبسةً سوداء مدلهمّة كالليل، يغشاها السواد حلكةً وقهراً، أيّ حدثٍ يتمحورُ إليه هذا اليوم الكئيب، يصيّره المجاز مرثية المآتم، يقرع ناقوس الحزن ويلاته، يطرق أبوابي الموصدة بالأقفال لتشفع له وتأذن له بالدخول.
وصايايَ أيتها العذراء الأمومية، ما هي إلاَّ شقاء الدرويش، كم مرة هتف بصوتٍ مبحوح باسمك، ودوَّن أشعاركِ المغناة على خشب الأبنوس الثمين، ها هو ليلٌ عاتٍ عصفَ بي كما تعصف الرياح أوراق الكرز، وتذروها رياح الحزن.
الموت يناجي روحه المدنسة، يشمئزّ منها، يبصقُ في القيح الفاسد الخارج منه، كمرضٍ ملعون.
أيتها العذراء الكريمة، أنا شقيُّ أحزاني، حروبي، وأنتِ نعيمي المنتظر.
