سوق رأس المال مرآة الحاضر أم صورة لمستقبل الاقتصاد ؟!
محمد بن أحمد بن محمد الصارمي
لقد أصبح اليوم وجود سوق مالية متطورة أحد أهم العناصر والركائز الأساسية للنظام المالي والاقتصادي لأي بلد، سواء كان بلدًا نفطيًا أو صناعيًا أو سياحيًا أو بلدًا ناميًا. حيث أن سوق المال وبالتحديد سوق رأس المال (Capital Market) بكافة أنواعه وتفرعاته يمثل مرآة لاقتصاد أي بلد في الوقت الحاضر، ومنهم من يعتقد أن هذا السوق يمثل صورة مستقبلية للاقتصاد.
فبدلًا من تتبع أداء كل القطاعات في بلد ما للتعرف على الوضع الاقتصادي فيها أو لمستقبلها، فإن نظرة على أداء سوق المال تعطي لمحة عامة عن الاقتصاد وتأثيره وتأثره بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلد. إذ أن سوق المال (Financial Market) يعكس أثر السياسات الاقتصادية الحكومية والقرارات السياسية وأداء القطاعات المختلفة مثل البنوك والقطاعات الصناعية والخدمية والنفطية وغيرها على الاقتصاد.
وهناك عدة أطراف تستفيد من إنعكاس الوضع الاقتصادي على أسواق المال. إذ توفر بورصة (Regulated Market) بلد ما مؤشرات للجهات الحكومية بغرض الرقابة على الأداء الاقتصادي لمختلف القطاعات والجهات. ولا تقتصر هذه الفائدة على الحكومة فقط بل تمتد لتشمل الأفراد والمؤسسات في اتخاذ القرارات الاقتصادية السليمة وتوجيه أموالها واستثماراتها نحو القطاعات الواعدة والنشطة. فوجود الأسواق المالية يسهل على المستثمرين المحليين والأجانب تقييم الشركات والقطاعات المختلفة، فضلاً عن تشكل تصور لأداء الاقتصاد عمومًا وتوجهاته المستقبلية.
هل سوق رأس المال مرآة للاقتصاد الحاضر!
لكي يكون سوق رأس المال مرآة لاقتصاد بلد ما يجب أن تعكس البورصة مختلف القطاعات في البلد ولا تقتصر على قطاعات معينة فقط. فيجب أن تكون الشركات الحكومية الرافدة لصندوق الدولة والشركات الخاصة الكبيرة والمتوسطة -وحتى الناشئة منها والصغيرة- مُدرجه في البورصة. فمن خلال الأسواق المنظمة (البورصة) تلتزم الشركات المدرجة بإعداد ونشر نتائجها المالية بصفة دورية – ربع سنوية – وفقًا لمعايير محاسبية ومالية متفق عليها عالميًا وهو ما يزيد من الشفافية الإقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، وجود المؤشرات (Indices) التي تعد أحد أهم الأدوات التي تعكس الأداء المالي للقطاعات المختلفة؛ فمن خلال تخصيص مؤشر لكل قطاع و مؤشر أساسي يمكن للأطراف المتخلفة الإستفادة من هذه القراءات. هنا تأتي أهمية معرفة نسبة حجم رأس المال السوقي من الناتج الإجمالي القومي (GNP) ؛ فكلما زادت هذه النسبة إزداد إنعكاس الاقتصاد الكلي للبلد في سوق رأس المال.
أم أن سوق رأس المال صورة لمستقبل الاقتصاد!
أن بعض الأحداث التاريخية تدعم الصوت القائل بأن أسواق رأس المال هي صورة تنبؤية للأحداث الاقتصادية المستقبلية. فعلى سبيل المثال ما جرى خلال الأزمة العالمية التي استمرت لثلاثة أعوام – 2007 و2008 و2009 – حيث أن مؤشرات سوق الأسهم تكبدت خسائر تصل إلى 94% خلال العامين الأوليين. على الرغم من أن عام 2009 كان ذروة الأزمة الإقتصادية لمختلف القطاعات. فقد كانت البورصات العالمية قبل ذلك تصور مستقبل الإقتصاد لعام 2009. بالإضافة إلى ذلك، ما حدث في عام 1932 الذي كان يعد عام ذروة أزمة الكساد الكبير، فقد شهد مؤشرات الأسهم الأمريكية عودة للنمو الإيجابي بعد أن استمرت لثلاثة أعوام في تراجع سالبي؛ بما يعكس بدء تعافي الأسواق المالية قبل التعافي الاقتصاد الذي بدأ في عام 1933.
رأي الكاتب!
لا يمكن الجزم القاطع بأن سوق رأس المال هو مرآة للاقتصاد حتى تعكس البورصة مختلف القطاعات والجهات والشركات والمؤشرات لدولة معينة؛ لكي تؤثر الأحداث الاقتصادية على أداء البورصة. بالاضافة إلى النسبة العالية التي يمثلها حجم سوق رأس المال من الناتج الإجمالي القومي. وعلاوة على ذلك، فإنه يمكن لبورصة دولة ما أن تكون مرآة للاقتصاد الحاضر في ظل المناخات السياسية والاقتصادية المستقرة لتلك الدولة. أما عن البورصات العالمية فإنه من الصعب الإقرار بأنها صورة للاقتصاد العالمي الكلي بسبب عدم تكافؤ القوى الاقتصادية العالمية. ولا ننسى أن الاقتصادات المركزية التي تتدخل حكومات الدول فيها و إنهيار أسعار الفائدة تلعبان دورًا كبيرًا في إزدهار أسواق الأسهم صانعةً فجوة بين سوق المال واقتصاد الدول.
في الجانب المقابل، قد تكون أسواق رأس المال بمثابة صورة لمستقبل الاقتصاد وليس مرآة لحاضره وهذا ما أكدته بعض الأحداث التاريخية. ويستند هذا الرأي أيضًا على حجة حجم سوق رأس المال الآجلة (Forward, Futures, Options, Swap Contracts) مقارنة بحجم سوق الأسهم والسندات. فالأسواق الآجلة تمثل وتعكس مستقبل الاقتصاد، وهذا ما تفتقر له بعض الأسواق والبورصات في الدول النامية. بالإضافة إلى ذلك، تلعب سيكولوجية العامل البشري دور كبير في خلق هذه الصور المستقبلية؛ فالمستثمرين بكافة انواعهم من مؤسسات أو أفراد يتطلعون غالبًا للغد في اتخاذ قرارتهم الاستثمارية؛ وهذا من شأنه أن يُحسن الوضع الاقتصادي للبلد من عدمه. فثقة المستثمر ونشاطاته الاستثمارية لها أثر على الأسواق المالية اليوم أما عن الأثر الاقتصادي لهذه الأنشطة فقد تكون جلية بعد حين.
فلا زالت الكفتان تتأرجح بين مرآة الحاضر وصورة المستقبل، فتارة يتفاعل سوق رأس المال مع الاقتصاد وفي تارة أخرى يتفاعل الاقتصاد مع اتجاه السوق. فلا يمكن نعت كل أسواق رأس المال بلغة الشمول؛ وإنما يجب أن يُسلط المجهر على كل سوق ودراسته حتى يمكن القول بأن هذا السوق هو مرآة لحاضر الاقتصاد أم صوره للمستقبل الاقتصادي. وصولًا للأرض المحايدة والتي لا يختلف فيها عاقلين وهي أن سوق رأس المال ركيزة اقتصادية لا يمكن التخلي عنها.