هل نَتَبَيَّن؟
صالح بن خليفة القرني
جاء في المادة 27 من النظام الأساسي للدولة:
“المتّهم بريءٌ حتى تـثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسـة حـق الدفـاع وفقاً للقانون، ويُحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً.”
كما نصّت المادتان 1 و 2 من قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية:
“على المدّعي إثبات الالتزام، وعلى المدّعى عليه إثبات التخلص منه”.
“لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي”.
وهذه قوانين وضعيّة سبقها التشريع السماوي بقرون:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” الحجرات، الآية 6.
حينما تسأل أحدهم عن شابّ تقدّم لخطبة فتاة، فتأخذ رأيه على أنه الحقيقة التي لا جدال فيها، دون أن تتثبّت من صحّة كلامه، فأنت لا تتبين.
وحينما تقرأ تغريدة هنا ومحادثة هناك، وتعتبرهما حقيقة ثابتة لتصدر فيهما حكماً لا يقبل النقض، فأنت هنا أيضاً لا تتبين.
إن أصدرتَ حُكماً عاطفياً على قضية رأيٍ عامّ دون أن تنفذ إلى العمق، وتعرض ما قرأته للفحص والتدقيق والمحاكمة العقلية، فأنت لا تتبين.
في الواقع، يستفزك البعض حينما يصدر حكماً قاسياً على أحد، كفاسدٍ ومرتشٍِ أو غيرها من الأحكام، ولا يقبل حتى مجرد النقاش على دليل ما ذهب إليه من ادِّعاء، والمصدر الذي اعتمده في الحكم، مدّعياً بأن ما كُثِب عنه وما أثير حوله يكفي، ومؤكداً بأنه يناقش قضية لا تقتضي أن يقدّم فيها دليلاً، فينقل ما وصله دون أدنى تأكُّد من صحّته، ونسيَ أو تناسى بأنه: (كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما يسمع).
أُثيرت في الفترة الماضية أكثر من قضية وما زالت حديث المجالس، كسفينة معرض الكتب، ومنظومة إجادة، وإعادة هكيلة صناديق التقاعد، وقانون الحماية الاجتماعية وتناولها الرأي العام العماني بأعلى درجات الاهتمام، وما رابني شخصياً أن أحدهم لم يقرأ سطراً واحداً عن القضايا المطروحة كمعلومة عنها، ولم يطّلع أدنى اطّلاع فيها، وتجده يفتي بآراء تُجانب الصواب، وتفتقر لأبسط معايير الأمانة العلمية في النقل.
إنّ اعتماد منهجية التفكير الناقد، وغربلة ما نقرأه ويمرّ علينا قبل نشره وإعادة إرساله للآخرين، أمرٌ في غاية الأهمية، سيّما وأن ظلماً كبيراً طال شريحة كبيرة من الناس فقط لاعتماد الانطباعات العاطفية كحقيقةٍ دامغةٍ لا مِراء فيها ولا جِدال.
“جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد فُقأت عينه يشتكي مَن فعل به هذا، وقد أشفق الصحابة رضوان الله عليهم على هذا الرجل، وتوقعوا أن يحكم سيدنا عمر له، ولكن عدل عمر بن الخطاب جعله يقول: انظروا لمن فقأ عينه فقد يكون قد فُقئت عيناه”.
فالحكم السريع على الأمور دون تَثَبُّت ودون إدراك للعواقب ظلمٌ كبيرٌ للذّات وللغير، والأخيرة أدهى وأمرّ، وهناك بَونٌ شاسع بين الرأي والحقيقة، فالرأي إن لم تثبت صحّته بالتجربة فلا يُعدّ حقيقة، فهل نحن نُعمل عقلنا في الحكم على الأمور والأشخاص؟ وهل فعلاً نتبيّن؟